​25 يوما من العذاب.. خطأ طبي أفقد سمر حلمها وحياتها

> محمد عمر / الفت كمال

>
عندما فكّرت سمر عبد الجبار الصلوي في تحقيق حلمها بافتتاح متجرها الخاص ببيع الزهور، خشيت من أن يحدّ وزنها الزائد من حركتها، لذا لجأت إلى الجرّاح المتخصص ت. م.، فأوصاها بإجراء عملية قصّ المعدة وأجراها لها بنفسه في أحد مستشفيات صنعاء، يوم 31 يوليو 2021، لكن بدلا من أن تفقد الشابة وزنها، فقدت حياتها.

يقول شقيقها عماد لرصيف22 إن الطبيب الجراح أكد أن نجاح العملية مضمون، ولن ترافقها أيّة مضاعفات، لكن ما حدث أنه ترك جزءا من المعدة مفتوحا، ما تسبب في تسرب حمضها إلى أجزاء أخرى من البطن، فأصيبت سمر بالتهابات حادة وبمشكلة رئوية تسببت لها بضيق في التنفس مع نزيف داخلي تسبب بوفاتها.
"علمنا بذلك كله بعد أن أدخلنا سمر إلى المستشفى نفسه مجددا لتدهور حالتها، وقد تواصلتُ مع الجرّاح وأبلغته بحالتها، إلا أنه قال إنها مجرد مضاعفات بسيطة وستزول بمرور الأيام من تلقاء نفسها"، يتابع الشقيق مستذكرا وقائع الأيام الأولى بعد إجراء العملية، وكيف استمر نزيف أخته الداخلي وتضررت أعضاء الكبد والكليتين والرئتين.

بعد ثلاثة أيام، تحسّنت وظيفة كبد سمر، وأخذ معدّل الكرياتين بالانخفاض (مركَّب ينتج في الجسم بنحو طبيعي، وزيادته تسبب فشلا كلويا)، وأحدث الأطباء فتحةً في بطنها لتزويدها بالسوائل عبر الأمعاء، ثم بعدها بثلاثة أيام نصحت اختصاصية التغذية بإعطائها طعاما خفيفا عبر الفم، وكان عبارةً عن حساء الخضار بالدجاج، لكن بعد يومين من ذلك أخذت الفتحة في بطنها تصدر رائحةً، وتم اكتشاف إصابة أمعائها بتعفّن شديد.

يواصل عماد سرد معاناة شقيقته: "لم يستطيعوا التحكم بانتشار العفن في بطنها، فأعطوها منوّما لإيقاف آلامها، لكنها دخلت في غيبوبة لستة أيام، فأعطوها دواءً لإنهاء مفعول المنوّم، لكنه لم يجد نفعا، فقرروا إجراء عملية شقّ الحنجرة، ورفض طبيب التخدير ذلك بسبب حالتها الحرجة، وكان معه حق لأنها توفيت في المستشفى في ذلك اليوم".

يتوقف الشقيق عن الكلام، ويمسح دموعه بظاهر يده، ويتابع بحزن شديد: "قضت أختي 25 يوما من العذاب بعد إجرائها عملية قص المعدة الفاشلة، المسكينة كانت ما تزال شابةً لم تتجاوز الـ27 من عمرها".
مع انتشار خبر وفاة سمر، نتيجة خطأ طبي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أرسل الطبيب الجرّاح ت. م. وسطاء إلى عائلتها لينقلوا أسفه على تسببه بوفاتها، واستعداده لتقديم التعويض المادي المناسب مقابل عدم التوجه إلى القضاء، غير أن العائلة المنكوبة رفضت عرض الطبيب وتمسكت بالخيار الثاني، يروي عماد.

لكنّ طريق ذوي سمر نحو القضاء لم يكن مفروشا بالورود، إذ إنهم لم يعثروا على ملفها الطبي في المستشفى الذي أُجريت لها فيه العملية، واكتشفوا عند مراجعتهم المجلس الطبي أن الطبيب ت. م. عضو فيه، لذلك طلبوا من النيابة العامة التحقيق في الأمر، وإرسال القضية إلى وزارة الصحة، لكن ما حدث أنها أُرسلت إلى المجلس الطبي، "ما يعني بروز عقبة كبيرة أمام إظهار الحقيقة"، يقول عماد بتشاؤم.
ولازالت الدعوى بدون نتيجة، حسب عماد، مع تكبّد نفقاتها الباهظة، فضلا عن أجور عملية سمر وتكاليف علاجها اللاحقة التي بلغت 20,500 دولار، أي نحو 11،582،500 ريال يمني.

الأخطاء الطبية

الحديث عن الأخطاء الطبية في اليمن ليس أمرا جديدا، خلال السنوات الأخيرة، لا سيما منذ عام 2015، أي منذ تفاقم الحرب في البلاد، والشكاوى متزايدة من أضرار لحقت بمرضى أدّت في بعض الحالات إلى الوفاة، ومعها يدور كلام كثير عن ميل الجهات الرسمية إلى صفّ الأطباء المتسببين بالأضرار نتيجة أخطائهم المهنية، وهذا ما دفعنا للمضي في سماع وجهات النظر المختلفة للوصول إلى حقيقة ما يجري، أو على الأقل إلى شيء منها.

ولأن بعض الدعاوى ما زالت قيد المحاكم، وأخرى حُسمت لصالح الأطباء، فضّلنا عدم الإشارة إلى الأسماء الصريحة للكوادر الطبية التي سيمرّ ذكرها، لتجنب الدخول في باب التشهير.
وبالعودة إلى ملف قضية سمر، كان علينا التوجه إلى المستشفى الذي أجريت لها العملية فيه، وهناك أبلغنا مسؤول طلب الإشارة إلى اسمه بحرفين هما ص. ع. بأن المضاعفات في عملية مماثلة واردة جدا وأن مسألة الإهمال يقررها المجلس الطبي بعد عرض القضية على طبيب متخصص.

ولفت إلى أن الأخطاء المسموح بها لكل طبيب هي خمسة أخطاء، ثم قال بنبرة واثقة: "الدكتور (ت. م.) أجرى نفس العملية لخال سمر عبد الجبار ونجحت، كما أنه أجراها لـ2000 آخرين (إشارة من باب المبالغة للقول إن له باعا طويلا في إجراء عمليات مشابهة) وتوفي فقط ثلاثة منهم، وهذا يعني بأن نسبة الخطأ قليلة جدا".
الموكّل للترافع في قضية سمر ضد الطبيب المذكور، المحامي طارق الغيلي، اعتذر عن الإدلاء بأيّة معلومات لكون الدعوى ما زالت مفتوحة، في حين أجابنا الطبيب المتّهم بإيجاز عن سؤالنا عما إذا كان قد ارتكب حقا خطأ مهنيا أم لا، بالقول: "الشجرة المثمرة تُرمى دوما بالحجارة"، وهي إشارة إلى نفي التهمة الموجهة إليه وإلى أن هنالك مَن يحاول تشويه صورته.
وكانت هبة عبد الجبار، شقيقة سمر، قد نشرت عبر حسابها على فيسبوك في أكتوبر 2021، تقريرا كتبه الطبيب ت. م.، عن حالة سمر وما أدى إلى وفاتها، ووصفت في منشور لها التقرير بالمتخاذل، لأنه تضمّن معلومات تُناقض تلك التي كان قد أدلى بها قبل إجرائه العملية، وحتى بعد فترة وجيزة من إجرائها، وفقا لما ذكرته.

وقالت هبة في منشورها إن الطبيب "ادّعى بأن سمر تعاني من ربو مزمن، من أين جاء بهذا الكلام؟ لا أعلم، نعم كانت تتحسس إذا استنشقت دخانا، ولكن حالتها سليمة، ولم تكن تتعاطى أيّة أدوية بشكل يومي للربو المزمن، كما كانت قد أجرت قبل العملية كل الفحوصات ولم تكن لديها أيّة مشكلات بحسب ما قاله الطبيب المختص بالحالة وطبيب التخدير، ولو وجدا مشكلة لكان عليهما إيقاف العملية".

وتحدثت عن إخفاء التقرير معلوماتٍ تخصّ السوائل التي دخلت إلى رئتي سمر، وكانت عبارة عن حمض المعدة ودم مرتجع بسبب العملية، "لكن هذا لم يتضمنه التقرير، مع أن الطبيب أخبرنا به شفويا بعد العملية".
كما اتهمت الطبيب بإخضاع شقيقتها لعملية جراحية أخرى من دون استشارة العائلة، وكانت لوقف نزيف حاد أصيبت به بعد العملية بأربع ساعات، ثم استدركت ساخرةً: "الأصح هو أنه لم يدخل إلى العملية لأنه كان نائما، ولم يكن لديه وقت ليطّلع على سبب النزيف، ونحن لم نوافق أو نوقّع على إجراء هذه العملية".
ويعدّ القانون اليمني الخطأ الطبي جريمة جسيمة إذا نجمت عنه وفاة المريض، إذ تنص المادة 241 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لسنة 1994: "يعاقب بالدية المغلظة أو الحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات مَن اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة، ولم يقصد من ذلك قتلا ولكن الاعتداء أفضى إلى الموت".

وفي حال لم يفضِ الخطأ الطبي إلى وفاة، تنص المادة 245 من القانون ذاته على أنه "يعاقَب بالدية أو الأرش على حسب الأحوال، من تسبب بخطئه في المساس بسلامة جسم غيره، وبالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بالغرامة، وإذا نشأت عن الجريمة عاهة مستديمة أو إذا وقعت نتيجة إخلال الجاني بما توجبه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو مخالفته للقوانين واللوائح أو كان تحت تأثير سكر أو تخدير عند وقوع الحادث، كانت عقوبته الحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو الغرامة".

ويبدو من الدعوى المقامة ضد الطبيب الجراح ت. م. أنه لن يدان وفقا للمادة 241 من قانون العقوبات كما يقول شقيق الراحلة سمر، إذ إنه يعتقد بأن المجلس الطبي يقف مع الطبيب الذي هو أصلا عضو فيه، وهذا اتهام وجب علينا عرضه على متخصص في القانون.
وردّ المستشار القانوني عبد الرحمن الزبيب، بتأييد ذلك ضمنيا، من خلال إشارته إلى وجود مشكلة قانونية تكتنف تشكيل المجلس الطبي الأعلى في اليمن، والذي يختص بالنظر في شكاوى المواطنين بخصوص الأخطاء الطبية، إذ إن 14 من أعضائه أطباء، باستثناء واحد ليس طبيبا يمثّل المجتمع، فضلا عن مستشار قانوني، يختارهما رئيس الوزراء ويكمل بهما عدد الأعضاء الـ16.

ويضيف الزبيب: "هذا يشكك في حيادية المجلس كون الأغلبية فيه من زملاء المهنة، باستثناء شخص واحد، إذا ما استثنينا المستشار القانوني، ويُفترض أن يكون هنالك توازن في عضوية المجلس، وأن يكون على الأقل مناصفةً بين الأطباء وممثلين غير أطباء من عامة المجتمع وفنيين".
وبناءً على ذلك، يرى الزبيب، أن قانون المجلس الطبي الأعلى بحاجة إلى تعديل، لإحداث التوازن المطلوب فيه، ويقرأ من نص المادة 4 من القانون الحالي للمجلس رقم (28) لسنة 2000، ما يلي: "يُشكَّل المجلس من خمسة من مزاولي المهنة يرشحهم الوزير من ذوي التخصصات المختلفة، وثلاثة أطباء يرشحهم المكتب التنفيذي للنقابة من غير أعضائه، من ذوي التخصصات المختلفة، واثنين من الصيادلة يرشحهما المكتب التنفيذي للنقابة من غير أعضائه ومن تخصصَين مختلفين، وواحد من أطباء الأسنان يرشحه المكتب التنفيذي للنقابة من غير أعضائه، ونقيب الأطباء والصيادلة، وعميدين من عمداء كلية الطب والعلوم الصحية الحكومية يتم ترشيحهما بالتناوب حسب أقدمية الكلية، وشخصية عامة يختارها رئيس مجلس الوزراء، ويضاف إليهم وفقا للمادة 7 من القانون عينه، تعيين مستشار قانوني في المجلس مرشح من قبل وزير العدل"، وفي اليمن نقابة موحدة للأطباء والصيادلة لها نقيب واحد.

كما يرصد الزبيب، ما يصفها بالاختلالات في عمل المجلس الطبي الأعلى من خلال حصر التحقيق في جرائم الأخطاء الطبية به، ومنع تحريك أي دعاوى أو إجراءات إلا بعد صدور قرار منه، ويقول عن ذلك: "يُفترض أن تسير إجراءات الشكاوى والدعاوى لدى الجهات القضائية من دون توقف، لأن قرار المجلس الطبي الأعلى مجرد دليل من ضمن الأدلة وليس الدليل الوحيد، لكي يُعتمد عليه في القضية المنظورة".

كما يتهم المستشار القانوني، المجلس الطبي الأعلى بتأخير قراراته لأشهر وحتى لسنوات، في حين أن قانونه يلزمه بالبت في الشكاوى المعروضة عليه خلال عشرة أيام فقط، وذلك وفقا للمادة 10 من نص قانون إنشائه التي تنص على التالي: "على المجلس أن يبت في الشكوى المرفوعة والمحالة إليه خلال مدة أقصاها عشرة أيام، ومنح طرفي الشكوى الحق في تقديم تظلّم من قرار المجلس، على أن يقوم المجلس بالنظر في التظلم بتأييد القرار أو تغييره عبر لجنة أخرى مشكّلة منه".

وبناءً على خبرته المتراكمة في دعاوى الأخطاء الطبية، يقول الزبيب إن أهم المعوقات القانونية في ما يتعلق بجرائم الأخطاء الطبية، هو عدم صدور اللائحة التنفيذية لقانون المجلس الطبي الأعلى لغاية الآن.
واللوائح التنفيذية تصدرها الإدارة لغرض وضع القانون موضع التنفيذ، وهي تخضع تماما للقانون وتقيَّد به وتتبعه، فلا تملك أن تعدّل فيه أو تضيف إليه أو تعطل تنفيذه.

ويعرّف الطبيب الجراح عبد الغني ناشر، الخطأ الطبي بأنه "كل خطأ صحي مهني صدر من الممارس الصحي، وسبّب ضررا للمريض".
ويسوق ناشر أمثلةً على الأخطاء الطبية، كالخطأ في المعالجة أو النقص في متابعة العلاج، وجهل الطبيب بأيٍّ من الأمور الفنية التي يُفترض بمَن كان في موقع مسؤوليته الإلمام بها، وإعطاء المريض دواءً على سبيل الاختبار وإجراء أي من العمليات الجراحية التجريبية التي تكون غير مسبوقة على الإنسان، بمخالفة القواعد التي تنظّم ذلك، وإجراء البحوث والتجارب العلمية غير المعتمدة على المريض واستعمال الأجهزة الطبية والآلات من دون علم أو دراية كافية بطريقة استعمالها أو من دون اتخاذ الإجراءات الاحتياطية الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جرّاء هذا الاستعمال، أو ألا تتم استشارة الشخص الذي تستدعي حالة المريض الاستعانة به والتقصير في الإشراف والرقابة.

ويقترح الطبيب ناشر، للحد من الأخطاء الطبية، إلزام الكوادر الصحية بالتسجيل المهني لدى المجلس الطبي الأعلى، لكونها الجهة الوحيدة المخولة التعامل مع هذه المشكلة، وتنشيط التعليم الطبي المستمر للكوادر الصحية وعدّه شرطا لإعادة التسجيل وإلزام تلك الكوادر بالتدريب على المهارات الطبية وتطبيق برامج لرصد وقياس الأحداث الجسيمة وقياس الأداء والمراجعة الإكلينيكية، واعتماد بروتوكولات العلاج وإرساء قواعد الطب المبني على البراهين واستحداث لجان الجودة في المستشفيات وتطبيق برامج قياس مؤشرات الأداء وتفعيل برامج مكافحة العدوى في المستشفيات وتنمية مهارات العاملين وتقوية برامج التوعية الصحية داخل المستشفيات وخارجها.

ويضيف إلى حزمة اقتراحاته، تحسين مهارات التمريض وطلب الكفاءات التمريضية من الدول المتقدمة واستحداث برنامج التجسير (السماح لخرّيج المعهد بإكمال الدراسة الجامعية)، لجميع الفنيين وإدخال برامج مثل برنامج قياس رضا المريض وآخر لإصلاح الملف الطبي وإنشاء لجان لمراجعة الأداء الطبي.

"رصيف22 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى