هنا ردفان

> > على مشارف ستين عاما من عمر ثورة 14 اكتوبر 1963 م فإن من الإنصاف تحييد المحاكمات التي تتم بأثر رجعي للثورة انطلاقا من رؤية اليوم للأحداث الماضية .

الثورة كفكرة كانت وليدة ظرفها الذاتي و الموضوعي ، واكتسبت ألقها من جماهيريتها التي لا ينكرها أحد ، حيث تفاعل الريف ( الجنوب ) و المدينة( عدن ): الرجل و المرأة ، العمال و الفلاحين ، الشباب و الطلاب ، النقابات و الأحزاب و التنظيمات السياسية و منظمات المجتمع المدني ...إلخ ، في وقائع الجمر اليومية التي صاغتها الثورة بمفردات تعلو من كعبها كفعل تغيير يتعدى مفهوم الانقلاب العسكري السائد آنذاك في المنطقة العربية، سورية و العراق و اليمن و قبلهم مصر عبدالناصر دون التقليل من شأن اي منهم.

لكن أكتوبر كانت إلى جانب الثورة الجزائرية أهم ثورتين في الوطن العربي في القرن العشرين.

وقد نتفهم أن يذهب البعض بحسن نية و تعبيرا عن الحالة النفسية التي يعكسها واقع اليوم، بالقول أن الإنجليز كانوا على وشك الرحيل بإرادتهم من عدن، و لكن، وبعيدا عن العاطفة و تقديم بريطانيا كحمل وديع نتعامل معه باطمئنان ، فإن بريطانيا لم و لن تتنازل عن إرثها الاستعماري و نور البراءة يعلو جبينها، فقد عادت أساطيلها لتقصف مصر في العدوان الثلاثي عام 1956م بعد عامين فقط من جلائها عن مصر عام 1954م.

ويبقى الجدل قائما حول أخطاء الثوار التي ليس بالضرورة أن تكون أخطاء الثورة، وقد كان لبريطانيا يد خفية في تأجيجها، وهو ما جعل البعض يرمي الثورة بأكثر مما رمى به مالك الخمرة.

فكل الثورات في العالم من الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789م مرورا بالثورة البلشفية عام 1917م و حتى الثورة الجزائرية 1954م كانت الدماء مواكبة لمسيرات هذه الثورات للأسف الشديد.

لكن الترويع في عدن كان يسقط على أرضية اجتماعية محدودة بشريا ما كان له أن يتم بتلك الطريقة المفجعة، و في ظل طغيان ايديولوجيا منتصرة تستمد تجربتها القاتلة على أخوة الكفاح و النضال من تجارب آخرين ، كأسوأ ما يكون الإقصاء الذي ما لبث أن جرب دوره على ذات الفصيل المنتصر بعد التخلص من الآخرين.

لم يتمكن عقلاء حركة القوميين العرب من فرض شرعية الدولة بدلا من الاستمرار في نهج شرعية الثورة حتى بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م.

كان الصوت الأقوى لإنصاف المثقفين داخل التنظيم الأكثر ميلا إلى صوت اليسار القادم من بيروت و الأكثر انقيادا للتجريب الثوري فكانوا وبالا على التجربة برمتها.

و جرى سد الأفق أمام شخصية فيصل عبداللطيف الشعبي الذي أراد وضع مدامك دولة عربية في الجنوب تتوائم و بيئتها في الجزيرة العربية.

و مع انشقاق الجبهة الديمقراطية عن حركة القوميين العرب و تبنيها للفكر الماركسي كردّة فعل على هزيمة العرب في حزيران 1967م و لحاق الجبهة الشعبية بها و على ذات النهج السياسي أيضا، جرى الأمر نفسه في عدن بإقصاء الشهيدين قحطان الشعبي و فيصل عبداللطيف الشعبي صباح 22يونيو 1969م و بروز تيار ماركسي يستمد فكرته من تنظيرات حواتمه و توابعه في بيروت بحيث إذا غيّمت سماء بيروت فتح الرفاق مظلاتهم في عدن.

ذلك كله لا ينفي حقيقة تحقيق مكاسب وطنية في الحياة العامة في البلاد اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا و تعليميا و الاهتمام بأبناء الطبقات المسحوقة و بناء إدارة عصرية مرنة و بناء جيش و أمن قويين ..إلخ.

هذا العام كان المزاج الجماهيري مفعما بروح الثورة حيث كانت ردفان حاضرة في المشهد ليس باعتبارها أرض الشرارة الأولى فحسب، واستلهام دروس النضال التي خاضها أبناؤها و على رأسهم الشهيد راجح بن غالب لبوزة أول شهيد لثورة أكتوبر، وإنما - أيضا - لأن ردفان أيقونة النضال الذي يتمثل فيه الجنوب كاملا كما تتمثل هي فيه كاملة سواء بمرحلة الثورة ضد الإنجليز أو بالتحرر بعد الاحتلال اليمني الذي تم في 7/7/1994م و نذكر جيل اليوم أن قائدا عظيما من أبناء ردفان هو شيخ المجاهدين عبدالله مطلق كان قائدا لجبهة دثينة و كان المناضلان البارزان المجعلي و سالم زين قائدين في ردفان، و هذه هي رمزية ردفان التي تفيض عن حوضها الجغرافي لتشمل كل الوطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى