شهدت اليمن منذ 2 أبريل 2022، هدنة تكررت ثلاث مرات، استبشر اليمنيون خيرًا بعد أن أهلكتهم حرب أهلية وإقليمية ودولية لثمانية أعوام متواصلة.
الإشكالية القائمة أن الحل لم يعد بيد اليمنيين، وهيمن الصراع الإقليمي والرباعية الدولية على امتلاك قرارات السلام والحرب.
إصرار ونجاح أنصار الله (الحوثيين) في التفاوض مع العربية السعودية -قائد تحالف الحرب- مهم وصائب، فالعربية السعودية ومعها الإمارات، طرف أساسي في المواجهة العسكرية، وفرض الحصار.
خطيئة أنصار الله (الحوثيين) الذين يشكلون الطرف الأقوى على الأرض، أنّهم وإن تبنوا مطالب شعبية كفك الحصار الخارجي على اليمن، وصرف المرتبات، واحترام السيادة والاستقلال، وعدم نهب الثروات- إلّا أنّهم لم يقدموا أنموذج الحكم القائم على احترام الإرادة اليمنية الشاملة، مكتَفِين بفرض الأمر الواقع، عبر ميليشياتهم، ومشاركين في حصار الداخل.
رهان إنصار الله على حل يأتي عبر التفاوض مع السعودية، ومباركة الرباعية الدولية، والمجتمع الدولي ينطوي على رغبة تجاهل الطرف أو الأطراف اليمنية التي بدون اشتراكها كطرف أساسي، لن يكون هناك حل حقيقي.
في العام 1967، وقّع الزعيم العربي جمال عبدالناصر، تحت وطأة هزيمة 1967، مع الملك فيصل، اتفاقيةَ الخرطوم، إلَّا أنّ الحرب استمرت، بل تصاعدت، فالحل لن يكون بالأساس إلا يمنيًّا يمنيًّا، يأخذ بالاعتبار أمرين أساسيين، الأول: عدم تغييب أي طرف يمني من التفاوض، واشتراك الشرعية في الاتفاق على وقف شامل ومستدام لإطلاق النار، وتنفيذ كل ما من شأنه تحويل الهدنة إلى وقف دائم للحرب.
في المستوى الثاني: وبعد رفع الحصار الخارجي والداخلي، وصرف المرتبات والمعاشات، وعودة المهجّرين، وتبادل الأسرى، وإطلاق كل المعتقلين السياسيين، والمغيبين قسريًّا لدى كل الأطراف وفتح الطرقات ورفع الحصار عن تعز، ووقف الحملات الإعلامية، وخطاب الكراهية والتحريض يفتح الباب واسعًا أمام تحاور أوسع وأشمل.
أطراف الحرب -كل الأطراف- هم كل المأساة، وهم أساس الحل في المستوى الأول، أما في المستوى الثاني، فهم كل المشكلة، وجزء من الحل، فلا بد من اشتراك كل الأحزاب السياسية وألوان الطيف المجتمعي المدني والأهلي، وبالأخص المرأة والشباب، وأن يدرك الجميع استحالة أن يتفرد بحكم اليمن حزب أو أحزاب، قبيلة أو قبائل، طائفة أو طوائف، أو جهة واحدة، أو أسرة أو أسر، ولا يمكن أيضًا أن تحكم اليمن بالغلبة والقوة، أو دعوات "الحق" بشريًّا كان أو إلهيًّا.
السعودية والإمارات، وهما رأسا التحالف العربي، وطرفا الرباعية الدولية يريدان استمرار الهيمنة على الجنوب، والاستيلاء على الجزر والموانئ والثروة النفطية، والاحتفاظ بالوجود في الجوف ومأرب وتعز والمخا.
المأساة أنّ الشرعية سلّمت أوراقها بالكامل للسعودية والإمارات، وأصبحت ظلًّا باهتًا لصراع تشترك في صنعه، وليس لها شأن بحله.
فالرباعية الدولية أمريكا وبريطانيا في جانب، وإيران في الجانب الآخر، هم الأطراف الأكثر فاعلية وتأثيرًا، والصراع الدولي المتصاعد هو ما يعيق التفاوض في الهدنة الجديدة.
يستحيل حل الصراع في اليمن بدون انخراط وتشارك كل أبناء اليمن في تقرير مصيرهم، وصنع مستقبلهم، كما يصعب الخروج من الكارثة بدون تفاوض صناع الكارثة: المحليين والدوليين.
عسر التوافق على حل، أنّ كل الأطراف تنظر إلى الحل من زاوية مصالحها التي لم تحققها في سنوات الحرب.
مصدر الخلل الحقيقي ضعف أو غياب الإدارة الوطنية لدى النخب والأحزاب السياسية وقادة المجتمعين المدني والأهلي، وتوزع البعض من هذه القوى على خارطة الحرب، وتدثُّر البعض بجلباب السكينة والخوف.
وبسبب هذا الضعف أو الغياب تغوّل الصراع الإقليمي والدولي، وتحوّل اليمنيون إلى أدوات قتال، واليمن إلى ميدان حرب، وبمقدار ضعف الإرادة الوطنية والارتهان للصراع الإقليمي والدولي يتزايد ويقوى استعصاء الحل، ويطول أمد الحرب، ويدمّر الوطن اليمني.
*نقيب سابق للصحافيين اليمنيين.