تقرير الراصد المالي.. ملخص وتحليل

> د. حيدر حسين آل طعمة

> مع تسارع التطورات الاقتصادية العالمية والخشية من دخول الاقتصاد العالمي لمرحلة ركود يختلف الخبراء في تحديد مدته ومدياته، يحظى تقرير الراصد المالي الصادر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي باهتمام العديد من المراقبين والباحثين للتعرف على أبرز ما تضمنه التقرير من تحليل للوقائع الأخيرة واستشراف لآفاق الاقتصاد العالمي واقتراح للسياسات الاستباقية اللازمة على المستوى المحلي والدولي.

يستهل عدد أكتوبر 2022، جزئه الأول في بيان أهمية السياسة المالية في بناء مجتمع مرن، فيما يركز الجزء الثاني على بناء قدرة الأسر على الصمود تجاه فقدان الوظائف أو الدخل، أما الجزء الثالث فيناقش الاستجابة لارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ويعرض الجزء الرابع آليات ضمان مرونة الشركات في الأوقات غير العادية، وأخيرا كُرّس الجزء الأخير من التقرير لإعطاء لمحات عن الاستعداد لرسم استراتيجية جاهزة لمواجهة الأزمات.

وفيما يلي خلاصة لأبرز ما تضمنه التقرير من نقاط للمحاور المذكورة:
1 - من المتوقع أن يبلغ الدين الحكومي العالمي (91 %) من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022، أي أعلى بنحو (7.5 %) عن مستويات الدَين العام قبل جائحة كورونا.

2 - تفرض الزيادة الحادة في أسعار الغذاء والطاقة ضغوطا على الموازنات الحكومية في معظم بلدان العالم، باستثناء النفطية، حيث ارتفع مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بنسبة (45 %) حتى شهر آب الماضي مقارنة بمعدلات عام 2019، في حين ارتفعت أسعار الطاقة بأكثر من هذه النسبة في العديد من دول العالم، خصوصا في الدول التي تكون أسعار الطاقة فيها غير مدعومة.

3 - مع استمرار تقلب معدلات التضخم، يتوقع أن ترتفع تكاليف الاقتراض نظرا لما يطلبه المستثمرون من عوائد أعلى على الدين طويل الأمد.

4 - معظم الدول منخفضة الدخل معرضة لمخاطر وصول ديونها إلى معدلات حرجة تفوق قدرة هذه الدول على السداد وتهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي فيها مما يتطلب العمل على إطار مشترك لتخفيف أعباء الديون.

5 - يتجه الاقتصاد العالمي صوب التباطؤ وسط التشديد النقدي والمالي المستمر، ويزيد ذلك من مصاعب تحقيق التوازن المناسب بين إدارة وتحفيز الطلب الكلي وحماية الشرائح منخفضة الدخل من جهة وتقليص أعباء الدين العام من جهة أخرى.

6 - ضرورة تحديد إطار متسق للسياسات الاقتصادية على المدى المتوسط، فالاعتماد على تكرار صدمات التضخم لتخفيض الدين العام استراتيجية غير مجدية لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي بل يزيد من الضغوط على الانفاق العام.


7 - ضرورة أن يكون الضبط المالي إشارة إلى اعتماد صناع القرار في معظم الدول سياسات متسقة لمكافحة التضخم، مما يعمل على خفض أسعار الفائدة الأساسية وإبقاء التوقعات لتضخمية ثابتة في حدود المستهدف لتبقى تكاليف الدين أدنى بعد تنفيذ إجراءات الضبط المالي.

8 - ضرورة أن يكون التشديد المالي تدرجي بدلا من التشديد المالي المفاجئ والكبير من أجل حماية الفئات الاجتماعية الضعيفة وعدم فقدان الثقة بالأسواق والافاق الاقتصادية.

9- نظرا لتوقع ضغط الموازنات الحكومية خلال العام القادم بسبب معدلات التضخم وتراكم الدين وارتفاع معدلات الفائدة، ينبغي ترتيب أولويات السياسات والبرامج الحكومية، وتتمثل الأولويات القصوى في ضمان توفير الغذاء للجميع وحماية الشرائح منخفضة الدخل من ضغوط التضخم من خلال الضوابط السعرية أو التخفيضات الضريبية.

10- منذ بداية جائحة كوفيد-19 كانت اجراءات المالية العامة سريعة الاستجابة لحماية الطبقات الضعيفة في البلدان المتقدمة وعززت من نمو وتحفيز الاقتصاد، كما كانت المالية العامة أكثر تنوعا في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، مع معاناة الكثير من الاقتصادات من القيود المالية طوال فترة الجائحة.

11- ينبغي تصميم سياسات جديدة لحماية الأسر والشركات من الخسائر في الدخل الحقيقي والوظائف، على أن تركز على الرعاية الصحية والاستعداد للجوائح والتكيف مع التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية وتقوية شبكات الحماية الاجتماعية.

12- تقييم السياسات الاقتصادية التي عالجت مضاعفات جائحة كورونا على الاقتصاد والنمو من أجل تطوير سياسات استباقية والتأهب لمواجهة أزمات كبيرة ومشابهة في المستقبل.
  • مقترحات تقرير الراصد المالي
1 - تساعد نظم الحماية الاجتماعية الناس على التعافي من البطالة والمرض والفقر، وتزيد من صلابة الأفراد في مواجهة الصدمات السلبية. وتعد شبكات الحماية الاجتماعية والتحويلات النقدية واسعة النطاق والاستفادة من التكنولوجيا في حصر المحتاجين للرعاية والدعم، من أبرز الادوات المطلوبة في المرحلة المقبلة.

2- ضرورة توفر النظم الرامية إلى الحفاظ على الوظائف استقرارا قويا للدخل، وهي مفيدة إلى جانب مجموعة من الأدوات المالية كالدخل أثناء البطالة.


3- الوقاية من الأضرار الناجمة عن ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وتجنب الدعم العام للأسعار نظرا لارتفاع الكلفة وعدم الفاعلية، بدلا من ذلك ينبغي توجيه الدعم إلى الأسر منخفضة الدخل عن طريق شبكات الحماية الاجتماعية، وبالنسبة للبلدان منخفضة الدخل ينبغي إعطاء الأولوية للأمن الغذائي.

4- بفضل الدعم المالي الاستثنائي للشركات تم تجنيب الاقتصاد الكلي عواقب خطيرة للأزمات الاخيرة، مع ذلك، ينبغي ان تقتصر تلك المساعدات على الازمات الكبيرة التي تكون فيها العوامل الخارجية السلبية واضحة مثل مخاطر انتشار حالات الإفلاس. وذلك لتجنب سلبيات تدخل الحكومة لدعم الشركات نظرا لضعف الحوكمة في العديد من البلدان وعدم القدرة على تقييم ومراقبة مدى قابلية الشركات على الاستمرار.

5- بناءً على تجربة التعاطي مع جائحة كورونا يمكن لصناع السياسات وضع أدوات قابلة للتطبيق بسهولة وإعداد استراتيجيات تحدد استجابة السياسات المرغوبة في ظل سيناريوهات مختلف.

6- يتطلب التصدي المرن للأحداث الاقتصادية المعاكسة بناء هوامش أمان مالية في الفترات المريحة لتأمين قدرة الحكومات على الاستمرار في تحمل الدين في إطار مستدام وضمان الحصول على التمويل المناسب عند الحاجة.

7- يتطلب ارتفاع الضغوط التضخمية أن توفر السياسة المالية حماية أكثر للفئات الضعيفة وتحديد أولويات الإنفاق من بين الاحتياجات المتنافسة وتعبئة الإيرادات بصورة تراعي النمو والاستقرار الاقتصادي، مع اتخاذ موقف متشدد لتجنب تحميل السياسة النقدية عبئا مفرطا في سياق مكافحة التضخم.

8- أهمية أن تنجز التدابير المحلية في إطار تعاون عالمي لتعزيز الصلابة، فقد كانت أوجه التضافر العالمي بشأن التأهب للجوائح واللقاحات ناجحة أثناء جائحة كورونا ويمكن الاستفادة من التجربة وتقييم السياسات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى