سفر العالم وأساطير المونديالات.. قطر داخل أسوار الملاعب

> أحداث متنوعة شهدها العالم في السنوات القليلة الأخيرة.. بدأت حين انطلق شعار "لا أستطيع التنفس" بعد حادثة جورج فلويد التي هزّت الولايات المتحدة، واعتقد كثيرون أنها ستقود إلى تفاقم الانقسامات في المؤسسة السياسية الحزبية وفي الإعلام، لكنها لم تضف متغيراً إلى الحياة سوى التراكم الضئيل البطيء لأحداث متشابهة هناك.

في كل مرة تستمر أمريكا كما هي محافظةً على تاريخها وصورتها وحكاياتها بدءاً من بوكاهونتاس ابنة البوهاتان وجون سميث، وأوردها فيلم ديزني برواية مزورة، وانتهاءً بجورج فلويد رغم الفوارق وتبدلات الزمن.

وفي نفس العام دخل العالم في ملكوت الفيروس العظيم كورونا ورأى كيف صرخت شرفات روما في وجه ذلك الكائن الميكروسكوبي بالوتر والمقامات بعد أن فرضَ إغلاقا تاريخيا شاملا على دول العالم وتسبب بخسائر بشرية ومادية هائلة، ومع ذلك لم يتغير العالم كثيراً.

حرب روسيا على شقيقتها التاريخية أوكرانيا وحرب الغرب بالوكالة على خصمه الأزلي روسيا، وتحول الإعلام الى تنين جحيمي ينفث تنويعات مخيفة على أخبار التداعيات الكارثية المنتظرة وتهويلها، مع كل هذا لم يتغير العالم بينما الحرب والحروب مستمرة.

الآن سيستريح العالم في العاصمة القطرية ويلتقط أنفاسه وينتظر أن تبهره هذه الدوحة الصغيرة التي سخّرت كل شيء ليحس وكأنه أمام آلهة الجمال في أساطير المونديالات ولتبقى كما يتمنى امراؤها وشيوخها رمزية خالدة. هكذا يستريح الكون شهراً واحداً من عبء الاحتمالات والتفكير بما مرّ به من أهوال إعلامية كانت تستحضر لأذهان البشر هرمجدون نووية تأتي على كوكب الأرض وتعلن نهاية التاريخ البشري قبل أن ينتقل جزء منه إلى جار فضائي من العائلة الشمسية.

يأمل كثيرون بأن تتخلى الدوحة، كما هو منتظر لشهر واحد، عن مهمتها السياسية والإعلامية في "توتير" الساحات العربية دعماً لجماعة دينية تحمل على عاتقها (إدارة شؤون الخالق) على الأرض المسطحة، وتسعى حثيثة إلى استحضار إمبراطورية تاريخية إلى جوار "العالم المتحضر"، بعد أن أرهقت الشرق بالشعارات والمسارات والتزييف الحلال.

إن أردت الحق عزيزي الرياضي وغير الرياضي ومعشر المشجعين، فإن الدوحة قد نجحت اليوم في تحقيق الاستضافة الأولى لمونديال كرة القدم في الشرق الأوسط وهو حدث كبير بكل المقاييس حمّلها نفقات تاريخية وكلفها أعباء كبرى خاصة، وأنها لا تسعى من ورائه إلى تحقيق أرباحاً مادية بقدر ما تعتبره استثماراً للفوز بعائدات معنوية ستضعها في سجلات التاريخ الحديث بين عواصم يقترن اسمها بأحداث تحرك اهتمامات الأجيال.

الدوحة، كما هو واضح، لا تهتم بالعوائد المادية التي تعتبرها دول أخرى حافزاً رئيساً للتنافس على استضافة المونديالات.

من ناحية أخرى، كما اتضح من مباراتها الأولى في استاد البيت، فإن الدوحة لا تمتلك الصنعة الرياضية المتجذرة ولا تسعى البتة إلى حيازة أي لقب أو الوصول إلى النهائيات، وبالتأكيد لا يمكن وضع أدنى مقارنة مع حال البرازيل في خمسينيات القرن الماضي حين شيدت ملعب ماراكانا العظيم لاستضافة أول مونديال بعد توقف طويل جراء الحرب العالمية الثانية، ومع أن خسارتها آنذاك أمام أوروجواي في تلك النهائية تركت ندوباً غائرة في روح جمهورها وفرقها المتعاقبة، لكنها أدهشت العالم غير مرة وأصبح فريقها هو الأكثر تتويجاً.

لقد حاولت بعض الأوساط الغربية من خلال إعلامها أن تنبش كل ما له علاقة بحقوق الإنسان والديموقراطية في مواجهة ذهاب العالم نحو مونديال قطر، لكن تأثير ذلك تضاءل مع الوقت ونجحت الدوحة في تدشين كأس العالم لعام 22م واعتبره أميرها مونديال كل العرب، وأن العرب رغم كل ما يفرقهم يحملون مشاعر إيجابية تجاه نجاح الاستضافة خاصة وقد امتلأت الدوحة بالعالم المتدفق إليها وظهرت كأنها بلد يهيم داخل أسوار الملاعب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى