كيف عبَّر روبل عن الأسر المدمرة مساكنهم، وصنع المقرمي منها مصدراً للرزق؟

> عبدالله علي

> على ركام المباني السكنية المدمرة في حي كريتر بمدينة عدن جنوب اليمن، اختار الفنان التشكيلي علاء روبل (30 عاماً)، ما تبقى من حطام المنازل لرسم لوحاته الفنية للتعبير عن معاناة الأسر التي دمرت الحرب مساكنهم إبان اجتياح جماعة الحوثي المدعومة من إيران للمدينة أواخر عام 2014.

للوهلة الأولى تشدنا ريشة روبل المرسومة على انقاض المنازل، وتذهب بنا إلى معاناة أسرةٍ فقدت أطفالها، وأخرى فقدت ربّها وتعيش ويلات النزوح، إذ تحكي كل لوحة عن واقع الأسرة التي كانت تقطن ذلك المنزل قبل اندلاع الحرب التي أشعلها الحوثيون عقب سيطرتهم على السلطة في 21سبتمبر 2014، وتسببت بمقتل مئات الآلاف من المدنيين ونزوح الملايين فيما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.

بعد ثمان سنوات من الحرب والدمار، لم يغب الفن التشكيلي عن الساحة اليمنية، إذ يعمل العديد من الفنانين التشكيليين في البلاد في رسم اللوحات الفنية، والرسم على الجدران للتعبير عن واقع الإنسان اليمني ومعاناته، في حين أصبح الفن وسيلةً للعيش وتأمين الغذاء لأفراد عائلتهم.


تعبير عن الواقع

من وجهة نظر روبل "الحرب في اليمن غيرت إلهام العديد من الفنانين التشكيليين، وخلقت إلهامات أخرى"، مشيراً إلى أنه عقب طرد الحوثيين من مدنية عدن، وسيطرة القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية في عام 2015، شرع برسم لوحات فنية على جدران المنازل، سعياً منه في محاكاة واقع مئات الآلاف من الأسر اليمنية في زمن الحرب.

منذ طفولته يعمل روبل في الرسم على جدران المدارس الحكومية، والجامعات في مدينة عدن، وتمكن من بيع الكثير من اللوحات الفنية خلال زيارته إلى العديد من الدول العربية من بينها الأردن، ومصر، ودول عربية وخليجية قبل اندلاع الحرب في اليمن.

بعد سنوات من الحرب والدمار يقول روبل: "تطرقت لرسومات وأفكار تحكي عن الواقع، وتعكس حجم معاناة اليمنيين وظروفهم المعيشية القاسية"، مشيراً إلى أن الفن التشكيلي رسالة يجب استخدامها لخدمة الإنسان.

توافقه في الرأي الصحافية اليمنية نجوى حسن قائلة لنا: "للفن التشكيلي تأثير إيجابي، فهو يعبر عما يحدث في البلاد من، حصار، وقتل، ودمار، ومعاناة"، لافتة إلى أن الفن هو من أكثر المجالات تأثيرا في ظل الحرب.

بيع الرسومات لتأمين الغذاء

شهاب المقرمي (55 عاماً) يعمل في الفن التشكيلي في العاصمة اليمنية صنعاء، وهو متخصص في رسم الوجوه، ويقضي معظم أوقاته في الرسم لتوفير لقمة العيش منذ توقف راتبه الحكومي في سبتمبر 2016، على غرار مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم في مناطق سيطرة الحوثيين.

يعمل المقرمي في مجال الرسم منذ طفولته، إذ عمل مخرجاً ورسام كاريكاتير ووجوه في إحدى الصحف الحكومية الرسمية في صنعاء حتى اندلاع الحرب عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وطرد الحكومة المعترف بها دولياً في سبتمبر 2014.

يقضي المقرمي ساعات طويلة في رسم الوجوه، إذ تصل تكلفتها إلى نحو 100 دولار أمريكي للعملاء خارج اليمن، ونحو 25 ألف ريال يمني (ما يعادل نحو 45 دولار) للعملاء في الداخل.

"اختار ما يناسبك بألوان الباستيل أو الفحم أو الرصاص"، إحدى إعلانات المقرمي في صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول لنا: "صارت وسائل التواصل الاجتماعي هي سوقي، خصوصاً فيسبوك، الذي من خلاله تتم طلبات عمل لوحات (بورتريهات) لمن أراد، وكذلك رسم الوجوه"، مشيراً بأن العملاء هم في المجمل يمنيون داخلياً وخارجياً.

وبحسب الصحافية حسن فإن: "العديد من الفنانين العاملين في مجال الفن التشكيلي في اليمن توجهوا مؤخراً إلى بيع الرسومات واللوحات الفنية الى خارج البلاد لتأمين لقمة العيش لهم ولأفراد عوائلهم".


تأثيرات الحرب على الفن التشكيلي

كما هو الحال مع العديد من جوانب الحياة في اليمن، انعكست الحرب سلباً على الفن التشكيلي، وعلى حياة العاملين في مجال الفنون التشكيلية بمختلف أنواعها، في بلد صُنف ضمن أسوأ الأماكن في العالم للعيش فيها، نتيجة استمرار الحرب منذ أكثر من سبع سنوات.

يقول روبل لنا: "السوق الفني تأثر بشكل كبير في الحرب المستمرة في البلاد منذ سنوات، بالإضافة إلى إهمال الحكومة المعترف بها دولياً وتوقف المشاركات الدولية".

يشكو روبل من وجود صعوبات كبيرة في التسويق للأعمال الفنية بسبب انهيار العملة المحلية، ومنع تداول العملة الوطنية في مناطق جماعة الحوثي، وضعف شبكة الإنترنت، وصعوبات التصدير إلى الخارج، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في الرسم، وقلة المعارض الفنية، والتطرف الديني، ومنع الثقافات.

وفي حين يشكو روبل، يقف المقرمي عاجزاً في الترويج لرسوماته الفنية، فحسب قوله لنا هناك إعلانات ممولة مدفوعة القيمة في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه لا يستطيع دفع قيمتها حتى يتمكن من الإعلان فيها بسبب تردي الأوضاع المعيشية.

"كل تلك المعوقات تؤدي إلى حالة من القلق والخوف والضيق والمشاكل الأسرية"، يقول المقرمي، مشيراً إلى أن الحرب انعكست سلباً على مشواره الفني بشكل مضاعف، خصوصاً وأن أسعار مواد الرسم والألوان ارتفعت كثيراً، بل وتضاعفت عدة مرات وبعضها انعدم تماماً.

ويضيف المقرمي: "الحرب كانت لها انعكاسات سلبية على حياة الفنانين التشكيليين"، مشيراً إلى ضعف الإقبال على شراء اللوحات الفنية، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي المتردي للناس، ويلفت إلى أن غالبية الناس يحجمون عن اقتناء لوحة لشراء القمح.

ظروف قاسية

يشكو روبل من تدهور وضعة المادي، فهو يقيم في مدينة عدن جنوب البلاد، وهي عاصمة الحكومة المؤقتة، لكن ذلك لم يمنع من تردي الأوضاع المعيشية، إذ يعاني سكان المدينة من أوضاع قاسية، خصوصاً عقب انهيار العملة الوطنية بشكل غير مسبوق في تأريخ البلاد، مما انعكس سلباً على حياة المواطنين، وفاقم من معاناتهم في ظل غياب تام لدور الحكومة المدعومة من السعودية والإمارات.

ويرى الباحث والمحلل الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي بأن "انهيار العملة الوطنية في مدينة عدن ومناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً هو نتيجة طبيعية للفساد والفشل الذي تمارسه الحكومة الشرعية منذ بداية الحرب".

وقال العوبلي: "منذ بداية الحرب والحكومة غير قادرة على السيطرة على مواردها بسبب الفشل والإهمال والفساد المستشري في كل مرافق ومؤسسات الدولة، أو بسبب الحصار الجائر الذي تفرضه قوات التحالف السعودي الإماراتي على البلاد، أو بسبب تغول ميليشيا الحوثي واستيلائها على الجزء الأكبر من موارد الدولة المتمثل بالجمارك والضرائب، بحكم أن الغالبية العظمى من سكان اليمن يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين".

"وهنالك عوامل أخرى في انهيار العملة الوطنية وهي النفقات الحكومية الغير مبررة والتي هي بالعملة الصعبة، بداية من شراء مشتقات نفطية تصل إلى نحو 4 مليار دولار سنوياً، ما يتسبب باختلال كبير في الميزان التجاري للبلاد، فينعكس على العملة المحلية"، يقول العوبلي.

بالنسبة لروبل فإن انهيار سعر صرف العملة المحلية انعكس سلباً على حياته ومشواره الفني، وكذا تعثر خدماته التشكيلية، إذ أن أسعار المواد المستخدمة في الرسم ارتفعت بشكل غير مسبوق.

تماماً مثل روبل يشكو المقرمي من تدهور وضعة المادي، فهو يقيم في صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي التي يعيش فيها المواطنون أوضاعاً قاسية وأزماتٍ متتالية في المشتقات النفطية والغاز المنزلي في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل غير مسبوق، على الرغم من استقرار سعر صرف العملة المحلية في مناطق سيطرة الحوثيين.


ينفي المحلل الاقتصادي العوبلي مزاعم جماعة الحوثي في المحافظة على استقرار سعر الصرف في مناطق سيطرتهم، لافتاً إلى أن الاستقرار وهمي يتم فرضه بقوة السلاح.

ويضيف: "تحديد سعر الصرف وتجاهل كلّ العوامل الاقتصادية وأدوات السوق من عرض وطلب يعني استغلال سعر الصرف لنهب أموال الناس، إذ أن سعر الصرف في صنعاء ثابت عند الـ600 ريال ، لكن أسعار السلع والخدمات تشهد ارتفاعاً ملحوظاً يوماً بعد آخر، وذلك يدل على أن سعر الصرف وهمي وغير حقيقي، مشيراً إلى أن الأسعار للسلع والخدمات في مناطق سيطرة الحوثيين أعلى من مناطق سيطرة الحكومة".

يقول المقرمي لنا: "الوضع المعيشي في البلاد صعب للغاية، لجأت إلى بيع الرسومات الفنية، فهي مصدر دخلي الوحيد الذي اعتمد عليه في تأمين الغذاء لأفراد أسرتي".

ويضيف: "أتطلع إلى إنهاء الحرب التي غيبت معها كافةَ مظاهر الحياة والفنون". وينهي حديثه معنا مشدداً على أهمية الفن التشكيلي: "بيت فيه لوحة، معناه انحياز إلى الجمال والمحبة، وحصانة ضد القبح والكراهية والتطرف".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى