العود رمز للثقافة العربية وذاكرة متوارثة منذ 5 آلاف عام

> رشا محفوض

> ​لعود سلطان الآلات الشرقية وعنوان الطرب الأصيل، ترجم بلغة أوتاره قصص الفن السوري وإبداعات أبناء هذه الأرض الذين يعتبرونه جزءا أساسيا من تراثهم الثقافي اللامادي الموروث عن أجدادهم، ويعملون على تطوير المعارف والمهارات المتعلقة به.

تقاس جودة العود بنوعية الخشب أولا وتنتهي باللحن، أما كلمة عود فهي لفظ عربي يعني الخشب، وتتطلب صناعته مهارة ودقة عاليين بدءا من الوتر وانتهاء بالوتد، حيث يصنع من خشب الجوز لقابليته للتطويع وألوانه المتدرجة والصوت الصادر عنه الذي يعتر أكثر حنية، إضافة إلى شجر السرو.

  • آلة قديمة

وراء هذه الآلة، التي تختزل تاريخا عريقا للحضارة العربية ورافقت الشعر والموسيقى العربيين منذ القدم لتصبح عنصرا راسخا في وجدان كل عربي، حرفيون أجادوا صنعها حتى أن مهنتهم تعتبر من التراث البشري العريق.

ويستخدم الحرفيون في زخرفة آلة العود رموزا مستوحاة من حياتهم وثقافتهم المتوارثة عن الأجداد، وما زالت هذه الآلة حاضرة في العديد من المناسبات الاجتماعية والثقافية، كما استطاعت موسيقاها أن تنتقل من جيل إلى آخر وتتطور دون التخلي عن أصالتها لكونها عنصرا رئيسيا في التراث الثقافي اللامادي للمجموعات والأفراد، والحفاظ عليها يعني صون جزء كبير من ذاكرتهم ومرتكزات هويتهم الثقافية.

وللوقوف عند تاريخ آلة العود في العصر القديم التقينا خبير صيانة الآلات الوترية في المعهد العالي للموسيقى السوري الباحث في الآلات الشرقية القديمة عيسى ميشيل عوض الذي يبين أن أقدم ظهور لآلة العود يعود إلى العصر الأكادي نحو 3000 عام قبل الميلاد في منطقة ما بين النهرين “بلاد الرافدين”، وهو ما أكده علماء الآثار من خلال المكتشفات الأثرية والرسوم الجدارية، واستخدمته مصر أول مرة بالمملكة الحديثة في 1500 قبل الميلاد، وفي سوريا ظهر العود في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في حين انتشر في فلسطين وشبه الجزيرة العربية وبلاد الإغريق في القرن الرابع قبل الميلاد، وصار بعدها معروفا في جميع الدول العربية.

ومن الدلائل التاريخية لوجود آلة العود، وفق عوض، هو ما ذكر في مزمور للنبي داوود الذي عاش في 2300 قبل الميلاد يقول “رنموا للرب بالعود والكنارة وسبحوه ومجدوه”، مبينا أن كلمة عود معروفة منذ ذلك التاريخ لكن تطور شكله مع الزمن وفقا لاحتياجات المجتمع، بينما كانت بدايته مقترنة بالطقوس الدينية ومرافقا لصوت المؤدي.

ويتحدث عوض عن تأثير الموسيقي المشهور زرياب على آلة العود في العصر العباسي، والذي عمل على تخفيف وزن الآلة سواء كان شكلها مربعا أو مستطيلا أو دائريا، أما أوتار العود عند زرياب فكانت ثلاثة أوتار ومن بعده كان لتلميذه إسحاق الموصلي دور في زيادة وتر رابع على العود، وأعطى كل وتر اسما ومنها “الزير والبم والتك”، وتم تلوين الأوتار المصنوعة من أمعاء الحيوانات كنوع من الطبائع، كما كان يصنع صدره من الجلد لكن بسبب تأثره بالعوامل الجوية تحولت صناعته إلى مادة الخشب، مع ملاحظة أن الريشة التي كانت تستخدم خشبية قاسية، ولها تأثير مؤذ للأوتار ليتم استبدالها بريشة النسر، واليوم تصنع من مواد مختلفة يتم صقلها لتتكيف مع الأستاذ والطالب أو العازف.

  • العازف والصانع

يشير الباحث السوري إلى أن العود كان مرافقا لصوت الإنسان أو التخت الشرقي أو الجلسات والسهرات، أما اليوم فباتت له مدارس مختلفة دمشقية ومصرية وخليجية وغيرها، مبينا أنه في المدارس الحديثة طورت الآلة، إذ عمل الموسيقار فريد الأطرش على إضافة وتر، حيث صار هناك تنفيذ للموسيقى بأوسع أبوابها ولم تعد محصورة في مغن أو تخت شرقي، وإنما وصل انتشارها إلى تقديم مؤلفات خاصة بالعود في حواريات قد تكون مع البيانو والأوركسترا، مبينا أنه حسب حاجة المؤلف أو العازف تتم إضافة أوتار إضافية بهدف الوصول إلى ما يحقق مساحة صوتية للعلامات الموسيقية.

ومن أشهر صناع العود السوري قديما، وفق ما ذكر عوض، عائلة نحات الدمشقية التي وصلت إلى مرحلة إبداع كاملة بصنعة الآلة والمعروف أنه قبل عام 1900 كانت قياسات العود غير منتظمة ليتميز عمل هذه العائلة من أبناء وأحفاد بالدقة والمتانة والجودة وانتظام المقاسات، إضافة إلى الناحية الجمالية للعود، حيث أدخلوا عليه حرفة الموزاييك مستخدمين الألوان الطبيعية من الأخشاب المصنعة للعود من الجوز والسرو والمشمش والورد، ناهيك عن تغنيهم بالفتحة الصوتية التي تميزت بدقة لا متناهية، وأخذت أشكالا مختلفة مع الحفاظ على جودة وقوة ومتانة الآلة.

ويستعرض عوض أشهر صناع العود الدمشقيين قديما، سنباط بدروسيتان وعبدالمجيد الحموي والإخوة القضماني، وفي المرحلة الوسط كان منهم قربيت بيدروسيان ومحمد صافي وعلي خليفة الجد، وفي العصر الحديث يعمل الحفيد علي خليفة في هذه المهنة، حيث نسخ المدرسة الدمشقية وطورها مع ملاحظة أنه قديما كان العمل يدويا، ومن حلب كان منهم ميشيل خوام وجميل قندلفت الذي صنع عودا من الصدف، وقدمه لفريد الأطرش ونعيم جرجي دلال الذي تميز عوده بالفتحات الصوتية، وفي حمص عادل أديب ومصطفى العوير، لافتا إلى أن صانع العود كان لا يتقن العزف عليه، أما اليوم فصار صانعوه موسيقيين محترفين، وهم أيضا صناع أعواد مهرة، ما جعل التطور واضحا ومتقنا لكون “العازف المصنع” أقدر على معرفة الأخطاء وتلافيها.

ويختم عوض “إن صوت العود الدمشقي يتميز عن باقي المدارس بتكنيكه وصوته وما يميز صوت العود الدمشقي كونه مبنيا على الشجن والصوت الرخيم والدافئ فهو صوت حنون”.

العرب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى