مستشارون لا يستشارون

> إذا كثر المستشارون والمسؤولون في دائرة العمل فاعلم أن العمل سيفشل، ومستوى الإنتاج سيقل.

نحن في اليمن مشكلتنا أننا فهمنا المسؤولية على أنها (هنجمة شكلية) ليس إلا.. أريكة مريحة نتكئ عليها، ومكتب أنيق نتباهى به، ونلتقط الصور من خلاله، وراتب مجزي نتقاضاه وهو يفوق أضعاف ما نقدمه ونستحقه.

لدينا شخصيات شاطحة وعقول خاوية وأنماط من مسؤولين فهموا المسؤولية على أنها فرض هيمنة، البعض صعد إلى هرم المسؤولية والاستشارة بشهادة مزورة، والآخر منحت له كدرجة تشريف لا تكليف، والكثير منهم تقلدوا المسؤولية من باب الوساطة لا من مبدأ الكفاءة، وهذا النوع الأخير هو الأكثر غطرسة وغرورا، والأكثر زعما بالمعرفة المصطنعة في مهام الإشراف والإدارة، ويسعى إلى إفشال عمل الآخرين ليبقى هو الأفضل، وهناك من يستعرض فلسفته في الكلام أكثر من العمل، والآخر يحاول إقناع الجميع بقناعاته الخاصة بأنها عين الصواب، والبعض يريد فرض أوامره دون إلمام أو فهم، والبعض الآخر من وضع مستشارا في مجالات ليست تخصصه، والأسوأ من ذلك أن ترى مسؤولا منشغلا بمراقبة عمل موظفيه، وشاغله الشاغل هو التدخل في كل واردة وشاردة، والتقفي أثر الأخطاء الطفيفة، مع علمه أن لا شغل ولا (مشغلة) له غير الثرثرة الكثيرة، والتعقيب على أي عمل أو فكرة تقدم له، فالمهم أن يشغل في نظر نفسه أنه مستشار ومسؤول يمارس عمله (بفلسفة زائدة)، وتقديم الاستشارات الثانوية التي لا تنفع أحدا ولا تفيد العامل بمنفعة سوى عرقلة سير العمل.

للأسف.. إنهم مستشارون لا يستشارون كثيرو الكلام قليلو الفعل والعمل.

عن وطن اليمن أتحدث فهناك من ركبوا الموجة من حديثي التجربة ونجحوا في تولي المواقع المرموقة بتزكية من أصحاب المحسوبية، وأصبحوا يفرضون أنفسهم على ذوي الخبرة والتجربة نفسها، وبأسلوب النعرة الاستعلائية التي يحاولون من خلالها تقزيم الآخرين، وإقصاء سنوات وخبرات من سبقوهم في العمل والتخصص.

إنها شطحات مرحلة (نشوة انتهازي) سرعان ما تنتهي.

ليتنا تعلمنا وفهمنا كيف تدير بقية الشعوب الناجحة حياتها بلغة الفهم والمعرفة والعلم واحترام ما يقدمه الآخرون من مهام، بل تحثهم على العمل والإبداع.. شعوب طبقت مبدأ الحقوق والاستحقاق، وأعطت المسؤولية لمن يستحقها، واعترفت بمكانة الكبار من ذوي الخبرة والمعرفة والتجربة، وجعلت كل رجل ناجح في المكان المناسب، شعوب أدركت أن من صفات ومواصفات كل مسؤول ومستشار لا بد أن يكون عاملا محفزا لكل عامل، ومؤيدا رئيسيا للإبداع، شخص يشجع كل خطوة عمل، ويدعم كل مبادرة أمل، وليس مدمرا للمعنويات ومتغطرسا باتخاذ القرارات بسبب أنه يريد أن يمارس مسؤوليته ويفرض شخصيته.

ليتنا تعلمنا من بقية الشعوب الأخرى أقل مبادئ العمل، وفهمنا معنى المسؤولية، فلقد تطورت بلدان تلك الشعوب لأنها احتكمت لفن الإدارة، وفهمت قواعد الاستشارة، ومنحت الوظيفة القيادية لمن يستحقها، وجعلت القانون القاسم المشترك للجميع.

أما نحن فلدينا في اليمن مسؤولون ومستشارون، ورغم كثرة عددهم فعندهم التنظير الذاتي والكلام الكثير هو كل العمل وأساس كل عمل، لذلك نحن متناحرون ومتأخرون، وسنبقى فاشلين طالما أن طامتنا هي كثرة المستشارين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى