أعباء نفسيّة يتحمّلها أرباب الأسر..اضطراب الأسعار في تعز.. أين يكمن الخلل؟

> محمد علي محروس

> في مدينة تعز، كان على عباس محمد أن يجوب خمسة محلاتٍ تجارية من أجل الحصول على علبة أناناس بسعرٍ في المتناول، اشتهتها زوجته المريضة منذ أيام، وما بين المحلات الخمسة وجد الرجل ذو الدخل المحدود تباينًا سعريًّا أثار استغرابه من الفجوة الحاصلة ضمن نطاقٍ تزيد مساحته على الكيلو متر قليلًا، فمن 2500 ريال في المحل الأول، إلى 1750 ريالًا يمنيًّا في آخر محل، تذبذبت أسعار العلبة بين المحلات الخمسة.

وضع يصفه عباس بالمثير للغرابة، إذ يمرّ الجميع من ذات الطريق، والكلفة التخزينية تكاد تكون صفرًا، وربما يتم توصيل السلعة إلى المحل عبر موزعين، ولكن التجار لا يعيرون ذلك اهتمامًا عند بيعهم، بل يفكّرون في مضاعفة أرباحهم وحسب، دون اعتبار لحال المستهلك.

يؤيّد ما يقوله عباس، أحاديثُ المواطنين الذين يُبْدُون استياءَهم من التباين الحاصل في إطار الشارع الواحد، وعلى مستوى ذات الحي بين محلّين متقاربين، حتى إنّ مصدر بضاعتهم في كثيرٍ من الأحيان واحد.

انتهازية

في تعز، لا يوجد تفسير لغياب الأسعار الموحدة على مستوى السلع المعروفة، والتي يتم استهلاكها بشكل يومي كاحتياج ضروري، حتى إنّ قنينة الماء (750 مل) المعبأة في المدينة يبيعها البعض بفارق مئة ريال عن المحل المجاور له، ولا سبب لذلك سوى زيادة العبء على المستهلك، كما يقول مجيد الضبابي، عضو جمعية حماية المستهلك في المحافظة.

يوصّف الضبابي ما يحدث بأنّه انتهازية يُغذّيها غياب دور الجهات الرقابية، مسنودة بمبررات يسوقها التجار وكبار متعهّدي السلع الأساسية، تتمثّل في عدم استقرار سعر الصرف ونقاط الجباية غير القانونية، وتنتهي في نهاية المطاف إلى سلخ المواطن ومضاعفة الأسعار.

أفرز هذا الوضع أعباء نفسية يتحملها أرباب الأسر في ظل الارتفاع المستمر للأسعار، وأعباء ومشاكل صحية تجعلهم في صراع مستمر لتوفير الاحتياجات الأساسية والمتطلبات اليومية لأفراد الأسرة، وخاصة العاملين بالأجر اليوميّ، إذ تكون التبعات عليهم ثقيلة، وفقًا لما قاله الضبابي.

كما يدعو عضو جمعية حماية المستهلك، إلى وجوب تظافر الجهود بين كل الجهات ذات العلاقة بحماية المستهلك، ووضع آليات رقابية أكثر فعالية لضبط الأسعار ورصد الممارسات والمخالفات التي تضرّ بالمصلحة العامة، والإضرار بالمستهلك كونه المستهدف والمتضرر بشكل مباشر، وهذه بالنسبة له، مسؤوليةٌ وطنية تجاه المجتمع يجدر بالمعنيين في السلطة المحلية أن يقوموا بها على أكمل وجه.

عوامل عدة

كل المتطلبات اليومية والحياتية يسري عليها الحكم ذاته، حتى تلك التي لا يُقبِل عليها السكان كاحتياج ملِحّ هي أيضًا ضمن التي طالها الاضطراب السعري في تعز.

الباحث الاقتصادي، وفيق صالح، يعيد اضطراب الأسعار وتباينها في الأسواق، إلى العديد من العوامل المرتبطة بتداعيات الحرب، كإغلاق الطرق والمنافذ الرئيسية، ولجوء التجار والمواطنين إلى طرق بديلة شاقة ووعرة، وهو ما يجعل تكلفة وصول البضائع والسلع إلى مدينة تعز، مرتفعة جدًّا، بعد ذلك يلجأ التجار والمستوردون إلى تعويض خسائرهم من المستهلك والمواطن، عبر رفع أسعار السلع والمنتجات.

يعدّ صالح ذلك عاملًا أساسيًّا في رفع المستوى العام للأسعار بشكل مستمرّ، كما أنّ هناك مسببات وعوامل أخرى كغياب الرقابة الحكومية والرسمية على السلع والواردات، بَدءًا من دخولها إلى المنافذ الجمركية، وصولًا إلى الأسواق المحلية.

يضيف صالح: "هناك حلقة مفقودة، بين المنتج أو المستورد، وبين المستهلك، وهي غياب التدخل الحكومي والرقابة، في وضع حدٍّ لجشع بعض التجار، وحماية المواطن والمستهلك من أطماع التجار والمستوردين، الذين جعلوا هدفهم الأساسي هو الثراء ومراكمة الأرباح دون أي اعتبار للمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، التي تقع على عاتق هؤلاء في حماية المستهلك من الارتفاع المستمر لأسعار السلع والغذاء، مع تدنّي قدرة المواطن الشرائية".

عن الدور الحكومي والتدخل المأمول للحدّ من حالة الاضطراب قمنا بمراسلة مصطفى الأديمي، مدير مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة تعز، عبر "واتساب"، وسؤاله عن الإجراءات التي يقومون بها لمواجهة اضطراب الأسعار كجهة مخولة بذلك، إلّا إنّنا لم نتلقَّ منه أيَّ ردٍّ رغم استلام الرسالة وقراءتها.

إلى ذلك، يُرجع مفيد عبده سيف، مدير الغرفة التجارية بمحافظة تعز، في تصريح لـ"خيوط"، الاضطرابَ الحاصل إلى سلسلة من الإجراءات التي تعرقل عمل التجار، وتعيق سلاسة دخول وانسيابية بضائعهم في السوق الاستهلاكية، كجبايات الطرق غير القانونية في النقاط المنتشرة على الخط الواصل بين تعز وعدن، وارتفاع تكاليف النقل جراء وعورة الطريق وعدم استقرار سعر المشتقات النفطية، إضافة إلى الوضع الأمني السيِّئ الذي يُثير مخاوف التجار ويدفعهم لعدم توفير بعض السلع بكميات كبيرة، ما يجعلها أقل وفرة وأكثر سعرًا.

وتعيش تعز، ذات الكثافة السكانية الأعلى في البلاد، وضعيةً خاصة منذ اندلاع الحرب في مارس 2015، وفرض جماعة "أنصار الله" عليها حصارًا من ثلاث جهات منذ أغسطس 2015، تسبّب في إغلاق الطرق الرئيسية الأبرز، وقسم المحافظة إلى نصفين مختلفين من حيث المعاملات المالية والولاء السياسي والسيطرة العسكرية، ما زاد من معاناتها وفاقم من سوء الحالة المعيشية لسكانها.

"خيوط"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى