​من معالم عدن في شعر لطفي أمان ..الصهاريج نموذجا

>
لطفي جعفر أمان شاعر من عدن، ولد فيها ونشأ وترعرع، فتشرب روحها المدنية والحضرية وتثقف بثقافتها الإنسانية الحديثة قد تسرب كل ذلك إلى شعره سواء من خلال الاهتمامات الشعرية والموضوعات أو من خلال التناول الشعري والأسلوب والصورة الشعرية، وفي هذه الدراسة المتواضعة سنقف أمام عدد من معالم مدينة عدن التي حظيت باهتمام الشاعر وصفا وتصويرا ومشاركة ووجدانية، وهذه المعالم أو الملامح قد تكون مادية وقد تكون انسانية وثقافية كما سنرى.

وتعد الصهاريج من أبرز معالم مدينة عدن الحضارية، وهي تقع في الجبال المطلة على مدينة كريتر ، وقد ذكرت في كتب القدماء والمحدثين وما تزال شاخصة حتى الآن رغم الإهمال الرسمي تجاهها.
هذا المعلم الشهير الذي يشهد على عراقة هذه المدينة وجد طريقه الى شعر لطفي في قصيدة بعنوان :
(وقفة على آثار خالدة) اذ يقول :
هنا هنا
في هذه الأسداد من أرضنا
يدفق بالأمجاد تاريخنا
فتغسل الأضواء آفاقنا
وتنتشي غناء أيامنا
وكلنا
معزوفة خضراء عن مجدنا
تشدو بها فوق مناني السنا
قلوبنا إحساسنا وعينا
بأننا
في حقبة غرَّاء من دهرنا
غزت جبين الشمس هاماتنا.
في هذه القصيدة الجديدة في مبناها ومعناها يحتفي الشاعر بهذا الأثر الحضاري الكبير ولكن من غير ضجيج وتهويل، لأنه نظر إليه من زاوية شعرية واقعية لا كلاسيكية، إذ جعل الماضي يخدم الحاضر ولم يهرب من الحاضر إلى الماضي ليعيش فيه أو يتمترس خلفه، فهذا الماضي جزء من تاريخنا وكينونتنا الحية ونحن امتداد له في حاضرنا ومعالمه المشرقة تبعث فينا الثقة بأنفسنا وبحاضرنا ومستقبلنا كأننا قد أسهمنا في إنجازها بطريقة ما مثلما يسهم الماضي في صناعة حاضرنا.
ولكن الشاعر لم يستمر على النفس الاحتفائي متغنيا بهذا المعلم الحيوي الحضاري فطفق يقول:
 يا جيلنا
أحلامنا مغسولة بالمُنى
لكنها الأحلام يا جيلنا
تنبت وهم الورد في قفرنا
 وتخصب الأفيون في نومنا
ونحن في صرعة أفيوننا
نسدر أو نشرب أحلامنا
في جدث الماضي وماهزنا
 الواقع الهادر من حولنا
هكذا ينعطف الشاعر إلى فكرة أخرى تكمل الفكرة الأولى وتحاورها ،فالامتلاء بمجد الماضي والاكتفاء به يجنيان على الحاضر  والمستقبل.
ويتحول ذلك الشعور المغرور بالماضي إلى أفيون يخدرنا عن التفكير في حاضرنا واللحاق بركب الشعوب من حولنا.
ويختم الشاعر قصيدته قائلا :
يا جيلنا
كم يبهر الإعجاز  هذا البناء
 مآثر الماضي أمجادنا
 بكبرياء الشمس تزهو بنا
فلننفض  الأحلام عن جفننا
 ولنحرق الأفيون في حقلنا
ولندفع الموكب حرا بنا
 ولتشرب الآمال من عزمنا
ولنزرع الأضواء  في دربنا
لأننا
نؤمن أن النور من حقنا.
في هذا المقطع الأخير يدمج الشاعر بين اشراقة الماضي وصحوة الحاضر  وطموح المستقبل المزدهر في رؤية واقعية متوازنة مع معادلة الزمن ثلاثية الأقسام: الماضي و الحاضر والمستقبل .
ولم تحضر عدن هنا من خلال معلم الصهاريج فحسب ولكنها حضرت كذلك من خلال هذا التناول وطريقة التفكير الواقعية واللغة السهلة ونزعة الجماعة من خلال الـ (نحن) والـ (نا)
فضلا عن المسحة التربوية والتعليمية التي تميز بها النص فلطفي معلم شاعر وشاعر معلم ، وهذا يتناغم مع رسالة عدن التنويرية الرائدة، فهي المدينة المدرسة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى