طريق جحاف .. استشهد من أجلها مقبل الزعلي ومر منها "سالمين وعنتر"

> كتب/هاجع الجحافي

> شُقَّت لأول مرة في خمسينات القرن الماضي بدعم من الاستعمار البريطاني
> استكمالا للموضوع الذي نشرته أمس الأول، والذي ضمنته تفاعل الناس في مديرية جحاف مع استكمال تحقيق حلم الأجيال في إيصال الطريق الإسفلتية إلى عاصمة المديرية ، وتقدير الأهالي لتلك الروح الطيبة التي تحلى بها أهلنا وإخواننا في قرية (قرنة) ، وهو ما دفعني الى تسطير تلك المشاعر والانطباعات بحروف صادقة ومحبة للجميع.


إلا انني شعرت بأن لوحة الحروف التي نسعى إلى رسمها بأقلامنا، لم ولن تكتمل بمقال أو استطلاع أو قصة خبرية، حتى تليق بوضعها في بروازها الجميل، الذي يوثق أصدق قصة عشق للأجيال المتلاحقة تجاه هضبة جبل جحاف، وحلمهم بنحت الخط الأسود على أديمه وجلاميد صخوره الصلدة، كي يوصله بما حوله ويقرب ما حوله إلى منحنياته وشعابه وقممه وأوديته ومدرجاته وقبل ذلك إلى سكانه الطيبين وشبابه المتميزين المبدعين الذين يمثلون اليوم أحد أهم مسننات عجلة التنمية في مختلف الجامعات والمدن والأحياء، وغير ذلك من القيادات والشخصيات البارزة التي انصهرت في حلم أكبر بحجم وطن، ولكنها تبقى تتشارك هذا الحلم الذي يجمعها بمسقط الرأس.

إنها رحلة كفاح وصبر وجلد ، وحكاية ملحمية يصعب الإلمام بتلابيبها، بما فيها من ألم وأمل، وأمنيات وتضحيات، ومكابدة وإصرار ، وصبر ومثابرة، وتنافس وإبداع.


ولهذا فهناك ثمة أشخاص يستحقون أن نتذكرهم ونحن نعيش هذا الحلم اليوم الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق .. فربما جيل الشباب اليوم، يجهلون أن طريق هضبة جبل جحاف، شُقَّت لأول مرة في خمسينات القرن الماضي، أيام إمارة الضالع المستقلة وبدعم مباشر من البريطانيين الذين كانوا يحتلون أرضنا ويعمرونها، والذين هم أكثر من أدرك اهمية جحاف كطبيعة وتاريخ وبشر .. ولكنها كانت طريقا وعرة ، وكانت تمر عبر عقبة (تيلابه) التي كانت شديدة الارتكاز والقساوة، وحينها كانت السيارات بعدد الأصابع ولا تزيد عن خمس سيارات تقريبا حتى نهاية سبعينات القرن الماضي، ومن (تيلابه) إلى رأس قرنه ، كان الركاب يحملون بضائعهم فوق السيارات، يترجلون ويضعون خلف دواليبها الأحجار حتى لا تعود إلى الخلف أو تنقلب نظراً لشدة الارتكاز والوعورة، ومن نفس هذه الطريق والعقبات حرص العديد من قادة الدولة على زيارة الهضبة والالتقاء بالناس مثلما فعل الرئيس الشهيد القائد سالم ربيع علي عام 1971م والذي كان يبادلهم الحب والاعتزاز والوفاء، وما زالت تلك اللقطات التي أنتجها التلفزيون الفيتنامي حينها - متاحة على اليوتيوب لمن أراد الاطلاع عليها - وربما أيضا أن جيل الشباب ممن هم في العقد الرابع من العمر، يجهلون تماما أن الشهيد المناضل علي أحمد ناصر عنتر، قد حرص بداية ثمانينات القرن الماضي، على إلغاء عقبة (تيلابه) وشق طريق جديدة عبر (بلس) وأيضا شق وتوسعة الطريق حتى رأس شجح قرنة، عبر ما كان يسمى مشروع الأشغال العامة، وهنا أجد نفسي أستحضر تلك الملاحم الصادقة التي قدمها العمال طوال ثمانية أشهر تقريباً لتحسين وتوسيع وتسهيل وعورة الطريق، والتي توِّجت بتضحية عظيمة قدمها أحد رجال جحاف الأوفياء، والذي كان أحد عمال المشروع ، وهو الشهيد مقبل الزعلي قرية (الحقل) ، والذي قضى نحبه أثناء عملية تفجير الصخور في (شجح قرنة) بمادة الديناميت ، وهي قصة تضحية تستحق أن تكتب حولها رواية ملحمية مؤثرة.


لن أنسى ذلك اليوم أبداً ، حينها كنا أطفالا، وقد قدمنا من كل القرى إلى مكان الحادث، وكان الحزن سيد الموقف، والجو شديد البرودة والضباب كثيفا ويحجب الرؤية، حتى الصخور كنا نشعر بحزنها الشديد .. كان الوقت على ما أتذكر مثل هذه الأيام من شهر يناير، نسأل الله له الرحمة والمغفرة والجنة ، ولا أعتقد أن أحداً في جحاف سيتناسى تلك التضحية الجسيمة.

إن أرواح (سالمين) و(عنتر) و(الزعلي) ترفرف فوق سماء طريق هضبة جحاف ، وتستحق هذه الأرواح الطيبة أن نهديها انجاز حلمنا بالتعاون والإيثار والمحبة.

ثمة كلام كثير يطول شرحة ولكنني أحببت التذكير بأهم المحطات التي عاشها سكان الهضبة وهم يحلمون بتيسير الحركة على الطريق وسفلتتها ، بعيدا عن تخريب السيول، وتجنباً للكثير من الحوادث التي يصعب الإلمام بحصرها ، وتيسير إسعاف المرضى والحوامل اللواتي يعانين مخاضات الولادة المتعسرة ، وغير ذلك من الفوائد والخدمات التي سيجنيها الناس، ولهذا فإن أي تضحية من أجل الطريق، فإنها محل تقدير واحترام الناس ، وهي أيضا صدقة جارية تحسب لصاحبها.


أما الذين يعملون من أجل الصالح العام ويسخِّرون وقتهم وجهدهم وراحتهم من أجل السهر على إنجاز هذا الحلم، فإن أجرهم عند الله تعالى كبير جداً ، فهناك باب في الجنة يدخل منه من تُقضى على يديهم حوائج الناس، وليس هناك أعظم من حاجة الناس الماسة للطريق .

في الختام أرجو من كل أهلنا الأعزاء في جحاف الاستمرار على هذا الزخم، وأن يقدموا كل ما في وسعهم لتذليل الصعوبات أمام المقاول حتى يتمكن من الإنجاز بأفضل مواصفات الجودة، وأن نتعاون في القرى لتقديم النموذج المشرف في التضحية والإيثار، وأن نتعاون مع اللجنة المجتمعية التي تمثلنا اليوم خير تمثيل، ولنضع في أذهاننا أنها آخر فرصة لتحقيق حلم الجميع ولن تتكرر أبداً .. ولهذا علينا أن نتجاوب مع إشعارات اللجنة، مثل إغلاق الطريق في بعض الأوقات لتنفيذ بعض الأعمال المهمة، واستخدام طرقاً أخرى متوفرة، حيث أن علينا أن نتعب قليلاً كي نضمن عمل وسفلتة ذات جودة أفضل ، وأن نجعل من مجموعات التواصل الاجتماعي واحات إيجابية خضراء للعمل الإيجابي المثمر، وأن نكبر إلى مستوى الحدث والحلم، دون أن ننجر إلى أمور أصغر تمثل فروعاً من حلمنا الأكبر .. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى