​إن ضحك السيد تضحك خرافته معه

> فاروق يوسف/ كاتب عراقي

> اللبنانيون الذي ينتظرون حلا يأتيهم من الخارج يعرفون جيدا أن الطبقة السياسية، التي تزداد قوة كلما ضعف لبنان وخارت قوى الشعب، لا تجد أن نجاح أي حل خارجي يقع في مصلحتها.
كان هناك دائما شيء مّا يلوح في الأفق اللبناني. ليس بالضرورة أن يكون ذلك الشيء حسنا، لكنه على الأقل يكون بمثابة محرك للأزمة من داخلها.

ولكنّ وعدا من ذلك النوع بات ومنذ سنين مستحيلا، فالقوى الخارجية عربية كانت أم دولية بالرغم من كل الحماس الذي تُظهره من أجل إخراج لبنان من الحفرة التي سقط فيها لم تعد تملك مفاتيح جديدة إضافة إلى أنها وصلت إلى قناعة بأن تدخّلها إنما هو تضييع للوقت، لا يلتفت إليه اللبنانيون بقدر من التفاعل الإيجابي بعد أن فلت الزمن كله من بين أيديهم وتبددت عناصر خبرتهم في ظل يأس جماعي يعبّر عنه عجزهم عن الإجابة على سؤال الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت قبل سنتين.

ما من لبناني إلا ويعرف أن الطبقة السياسية الحاكمة هي المسؤولة بشكل مباشر عن الانهيار الذي ضرب بعصفه كل شيء في بلادهم.
ولأن تلك الطبقة هي التي تدير الأزمة وهي التي تقوم بوضع حلول متوقعة للمشكلات من غير أن يكلفها الشعب بذلك وهي التي فشلت حتى هذه اللحظة في الخروج بالبلد من عنق الزجاجة كما يُقال فإن الأمور ستزداد سوءا وبالأخص في ما يتعلق بالأوضاع المعيشية التي باتت معلقة على حبل سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي. وتلك أحجية لن يتمكن من فك ألغازها أحد إلا على طريقة العرافات.

اللبنانيون الذي ينتظرون حلا يأتيهم من الخارج يعرفون جيدا أن الطبقة السياسية التي تزداد قوة كلما ضعف لبنان وخارت قوى الشعب لا تجد أن نجاح أيّ حل خارجي يقع في مصلحتها.
وليس حزب الله وهو قوة الدمار الضاربة هو الطرف الوحيد الذي يرى أن أيّ حل خارجي ينبغي أن يمرّ من خلاله وأن يحفظ مصالحه ويقدم له التمويل الذي يزيد من إمعانه في الفساد. كل الأطراف السياسية في لبنان تريد مقابلا ماديا لقاء السماح لأيّ جهة خارجية بإنقاذ الشعب الذي هو عبارة عن رهينة.

هناك مَن لا يزال يتحدث عن الاستحقاقات الدستورية التي لطالما وضعتها الطبقة السياسية تحت حجر ثقيل، جلست عليه وصارت بين حين وآخر تومئ إليها في انتظار اللحظة التي تجدها مناسبة لإزاحة ذلك الحجر ليخرج الجنيّ من قمقمه على هيئة رئيس جمهورية أو رئيس حكومة.
اللبنانيون من جهتهم لم يعد يهمهم في ما إذا كان هناك ساكن جديد في قصر بعبدا أو رئيس حكومة يبدأ عهده بكلام تخشع له القلوب لما يتضمنه من وعي عال بمأساة شعب انتشرت وصفة الخبز التي اخترعها في كل أنحاء الشرق العربي واختفت من أفرانه.

ما فعلته الطبقة السياسية بالشعب اللبناني لم تفعله حرب أهلية استمرت خمس عشرة سنة.
كانت تلك هي حرب الآخرين على أرض لبنان كما عبّر غسان تويني ولكن الحرب التي يخوضها حزب الله وأتباعه ضد الشعب اللبناني هي الأخرى حرب ينفذها لبنانيون نيابة عن إيران ولكن ليست ضد لبنان وحده بل ضد العالم العربي كله إضافة إلى أنها رسالة موجهة إلى العالم.

فإيران من خلال حرب التجويع والحصار والتركيع التي تشنها في لبنان إنما تريد أن تبلغ العالم صراحة أن أحدا لن يتمكن من إنقاذ الرهينة اللبنانية إلا من خلال التفاوض معها. إيران هي البوابة وما حزب الله سوى حارس وضيع لتلك البوابة.

لقد انتهى الزمن الذي يصبح فيه ماروني رئيسا للجمهورية وسني رئيسا للوزراء من غير العودة إلى إيران من خلال وكيلها الرسمي حزب الله. انتهى زمن يكون فيه اللبنانيون أحرارا في قول ما يريدون علنا بعد أن صار سلاح حزب الله موجها إلى الرؤوس. انتهى زمن السياحة التي تنعش الاقتصاد اللبناني بعد أن جعل حزب الله من مرفأ بيروت درسا في العنف غير المتوقع.

ما تفكر فيه اليوم دول عربية وعالمية في محاولة منها لإنقاذ الشعب اللبناني لا يخرج من القاعات التي يجتمع فيها ممثلوها إلا وقد تحول إلى فقاعات إخبارية لا يمكن أن تطأ الأرض على هيئة مشاريع جادة.
ما لم يلتفت الجميع إلى جذور المشكلة اللبنانية فإن جهودهم الطيبة ستصطدم بجدران حارة حريك وستدفع السيد إلى الضحك في مخبئه. وليس غريبا على السيد أن يضحك وهو يستعرض خرافة وجوده.
"العرب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى