السودان وإثيوبيا يبحثان عدد من القضايا بين البلدين

> الخرطوم "الأيام" القدس العربي

>
رغم التباعد الذي شهدته العلاقة بين البلدين خلال العامين الماضيين، زار رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الخرطوم، أمس الخميس. الزيارة هي الأولى من نوعها، منذ أغسطس 2020، وقد أكد الزعيم الإثيوبي خلالها، دعمه للعملية السياسية الجارية في السودان، وذلك بالتزامن مع مبادرة مصرية تدفع نحو حوار سوداني- سوداني جديد ينتظر أن تنطلق اجتماعاتها في فبراير المقبل.

وانعقدت في القصر الرئاسي في الخرطوم جلسة مباحثات مشتركة بين أحمد والقائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان.
وحضر المباحثات من الجانب السوداني وزراء الخارجية والدفاع ومدير المخابرات العامة والقائم بأعمال سفارة السودان في أديس أبابا، مقابل وزراء الدفاع والسلام والداخلية الإثيوبيين، ومستشار الأمن القومي ومدير المخابرات الإثيوبي ووزير مكتب الاتصال الحكومي ونائب وزير الخارجية الإثيوبي والسفير الإثيوبي في الخرطوم.
  • التعاون والتنسيق
وشدد البرهان خلال المباحثات على «ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين السودان وإثيوبيا في القضايا الثنائية إقليميا ودوليا» مؤكدا أن «البلدين متفقان حول كافة قضايا النهضة». وفيما يتعلق بقضية الحدود بين البلدين، أكد أن «الوثائق والآليات الفنية والحوار تمثل المرجعية الأساسية في هذا الشأن».
وحسب إعلام المجلس السيادي السوداني «أطلع البرهان رئيس الوزراء الإثيوبي على تطورات الأوضاع السياسية في البلاد والجهود المبذولة لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة. فيما أكد أحمد أن الغرض من الزيارة إظهار التضامن مع السودان والوقوف معه في هذه المرحلة الهامة في مسيرته السياسية».
  • لا ضرر على السودان
ولفت إلى «ضرورة الاستفادة من تجربة الحرب في البلدين التي أدت إلى انفصال الجنوب في السودان وتغراي في إثيوبيا واللجوء إلى الحوار في كافة القضايا الداخلية» مؤكدا أن «سد النهضة لن يسبب أي ضرر للسودان، بل سيعود عليه بالنفع في مجال الكهرباء».
وحول قضية الحدود قال إنها» قديمة، ويجب الرجوع إلى الوثائق لحلها».

وحول لقاءاته مع الأحزاب السياسية، أكد عدم تقديم مقترحات جديدة» مبديا ثقته «في قدرة السودانيين على تجاوز قضاياهم السياسية».

والتقى أحمد كذلك قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) والذي قدم له شرحا حول التطورات السياسية الراهنة التي تشهدها البلاد، والجهود المبذولة على ضوء الاتفاق الإطاري الموقع في 5 ديسمبر الماضي، معلناً التزامهم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه لتحقيق الاستقرار في البلاد، مشدداً على «ضرورة تعاون الأطراف على تنفيذ الاتفاق لتجاوز الازمة السياسية واستكمال الفترة الانتقالية».

وانخرط رئيس الوزراء الإثيوبي في عدد من الاجتماعات مع الأطراف السياسية في السودان، الداعمة والرافضة للاتفاق الإطاري، والآلية الدولية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد.
وأوضح رئيس الآلية، فولكر بيرتس، في تصريح صحافي، أنهم أطلعوا رئيس الوزراء الإثيوبي، على موقف الآلية الثلاثية المسّهل للحوار والمحادثات الجارية لدعم العملية السياسية في السودان.

وأضاف أن أحمد أكد دعمه ودعم بلاده الكامل للعملية السياسية والاتفاق الإطاري، حتى ينعم السودان بالاستقرار، مؤكداً مواصلة متابعته لسير تنفيذ الإتفاق وصولاً لسلام دائم وشامل.
  • دون تدخلات خارجية
وحسب تصريح صحافي للمتحدث باسم «الحرية والتغيير» الواثق البرير، فقد ناقش لقاؤهم مع أحمد «ضرورة دعم الحوار السوداني السوداني دون أي تدخلات خارجية من أي جهة بجانب دعم العملية السياسية الجارية حاليا، مرحبا بالموقف الإثيوبي في الصدد».
وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي دعا إلى الإسراع في إكمال العملية السياسية لإخراج السودان من الأزمة، مرحبا بالزيارة المرتقبة لوفد «الحرية والتغيير» لدولة إثيوبيا.

أما جبريل إبراهيم الأمين العام للكتلة الديمقراطية، والتي ترفض الانضمام للاتفاق الإطاري، وتؤيد المبادرة المصرية، فقد أشار إلى أنهم خلال لقائهم بأحمد قدموا شرحا مفصلا حول موقفهم من الإتفاق الإطاري ورؤيتهم بأنه لا يمكن أن يحقق وفاقا وطنيا، وان أي حكومة يتم تشكيلها بموجبه «لن تصمد طويلا ولا مستقبل لها».

وزاد: «رئيس الوزراء الإثيوبي أكد لهم أن الحلول ليست في يد الخارج، وإنما عند أهل السودان، لذلك ينبغي عليهم توحيد أنفسهم من أجل تحقيق الوفاق الوطني الشامل» وأبدى استعداد بلاده للمساعدة «في تقديم كل ما من شأنه تحقيق وفاق وطني سوداني سوداني».
وأشار ممثل مجموعة القوى الوطنية، محمد حمد سعيد، التي تتخذ ذات موقف الكتلة الديمقراطية، أن أحمد أكد لهم بأن زيارته للسودان ولقاءاته «ليست بهدف أن تكون بلاده وسيطا في الأزمة لأنه على قناعة بأن الحل بيد السودانيين» مبديا استعداده للجلوس مع الجميع لتحقيق الوفاق الوطني الشامل في البلاد.

وتأتي زيارة أحمد للخرطوم، بعد خلافات عديدة تسببت في توتر العلاقات بين البلدين، حيث شهدت منطقة الفشقة السودانية، التي ينتشر في مناطق منها مزارعون ومجموعات مسلحة إثيوبية، معارك بين الجانبين، تصاعدت وتيرتها، بالتزامن مع انقلاب البرهان على الحكومة الانتقالية في السودان في 25 أغسطس 2021.
  • سد النهضة
سبق ذلك تباين المواقف بين البلدين، بخصوص سد النهضة الإثيوبي، والتي وصلت لاحتجاج الخرطوم والقاهرة على استمرار أديس أبابا في أعمال ملء سد النهضة، مرات متتالية.
ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء سدّ النهضة وتشغيله، إلا أنّ جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقاً.

ورغم أنّ مصر والسودان حضّتا مراراً إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزّان السدّ إلى حين التوصّل لاتّفاق شامل، أعلنت أديس أبابا العام الماضي إنجاز المرحلة الثالثة من ملء خزّان السدّ الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه.

ويقع سد النهضة على النيل الأزرق في منطقة بني شنقول- قمز الإثيوبية على بعد نحو 30 كلم من الحدود مع السودان. ويبلغ طوله 1,8 كلم وارتفاعه 145 متراً.
ويلتقي النيل الأزرق الذي ينبع من إثيوبيا النيل الأبيض في الخرطوم ليشكلا معاً نهر النيل الذي يعبر السودان ومصر ويصبّ في البحر المتوسط.

وبالنسبة إلى مصر، فإن السد يشكل تهديدا وجوديا، إذ تعتمد على النيل في حوالى 97 من مصادرها المائية. ويأمل السودان في أن يسهم المشروع في ضبط الفيضانات السنوية، لكن يخشى أن تلحق أضرار بسدوده في غياب اتفاق حول تشغيل سد النهضة.
وتصر أديس أبابا على أن السد لن يؤثر على حصص مصر والسودان من مياه النيل، وتطمح في أن يحقق المشروع تنمية اقتصادية وأن يصبح السد أكبر مصدر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا بقدرة إنتاج تبلغ 6500 ميغاواط.

وبينما اتهم مسؤولون إثيوبيون الحكومة السودانية بالانحياز إلى الجانب المصري في قضية سد النهضة، أكدت الخرطوم أنها تتبنى المواقف التي تخدم مصالحها وتحمي أمنها القومي، الأمر الذي تسبب في توتر العلاقات بين البلدين.

وعلى الرغم من اللقاء الذي تم لاحقا، بين البرهان وأبي أحمد، في مدينة بحر دار الإثيوبية، على هامش منتدى «تانا حول قضايا الأمن والسلم الأفريقي» في أكتوبر من العام الماضي، إلا أن العلاقة بين البلدين ظلت تقف في المحطة ذاتها.
وفي أعقاب سقوط نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، دفعت أديس أبابا بمبادرة مشتركة مع الاتحاد الأفريقي، أدت إلى توقيع الأطراف المدنية والعسكرية في أغسطس 2019، وثيقة دستورية، تشارك من خلالها الجانبان السلطة لأكثر من عامين، أطاح بها انقلاب عسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول2021.

لكن الأهم، أن زيارة أحمد وتحركاته لدفع الاتفاق الإطاري، جاءت بالتزامن مع مبادرة أطلقتها الحكومة المصرية للحوار بين الأطراف السودانية، والتي من المقرر أن تنعقد اجتماعاتها في الفترة من 1 وحتى 8 فبراير المقبل، وسط رفضها من «الحرية والتغيير» أبرز الفاعلين السياسيين في السودان.
ويعد السودان محطة تنافس إقليمي بين مصر وإثيوبيا، حسب المحلل السياسي أمين مجذوب، الذي تحدث لـ«القدس العربي» مشيرا إلى أن القاهرة «مهتمة بوجود حلفاء لها في الحكومة السودانية المقبلة، وتقارب في مواقف البلدين فيما يتعلق بسد النهضة».
  • موطئ قدم
في المقابل تسرع إثيوبيا الخطى بعد أن جاءت مصر عبر مبادرتها لإدخال بعض المؤيدين لها في العملية السياسية، وفق مجذوب، الذي بين أن أثيوبيا «تريد أيضا موطئ قدم في هذه التسوية، وأن تضمن كذلك موقفا سودانيا مقاربا لموقفها فيما يتعلق بسد النهضة، كما أنها تريد معاندة الموقف المصري».

ولفت إلى أن هناك ملفات أخرى قد يكون الجانبان المصري والإثيوبي يسعيان نحوها» مشيرا إلى أن القاهرة «تريد ضمان انسياب المواد الخام الحيوانية والزراعية، وأيضا الجانب الإثيوبي يعتمد على السودان كثيرا في توفير الغذاء والمواد البترولية، ولديه ملف منطقة الفشقة الواقعة في الحدود الشرقية السودانية وتمثل عمقا أمنيا للجبهة الداخلية لأديس أبابا».

ورجح أن تكون الحكومة في أديس أبابا «تسعى لإغلاق ملف اللاجئين الإثيوبيين في السودان وتيسير عودتهم إلى بلادهم، حتى لا يتم استخدامهم كورقة من القوى المناوئة لها من الداخل بعد توقيع اتفاق السلام بين الأطراف الإثيوبية».
  • إذابة الجليد
أما أستاذة العلاقات الدولية في جامعة الخرطوم، تماضر الطيب، فقد رأت في حديثها لـ “القدس العربي" أن كل «التحركات الجارية في السودان ذات صلة بالاتفاق الإطاري» مشيرة إلى أن «زيارة أحمد للخرطوم تأتي في إطار إذابة الجليد بين البلدين، والدعم الإقليمي للعملية السياسية والمضي قدما لتحقيق حكم مدني في السودان». ولفتت إلى أن رئيس الحكومة الإثيوبي «سيمضي في دعم تحركات الاتحاد الأفريقي ضمن الآلية الدولية السياسية لضمان خروج العسكر من السلطة».
ورأت أن ملف سد النهضة «محسوم في كل الأحوال من الجانب الإثيوبي، أيا كانت تحركات الأطراف الأخرى».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى