​العمى هو عمى القلب والضمير

> هذه العبارة التي كان والدي - رحمه الله - يرددها قد حُفِرَت على ذبذبات ذهني أتذكرها بنفس لحن كلامه وهو يشرح لي أن عمى الأبصار أمر هيّن مقايسة بعمى القلوب، لأن الإنسان إذا فقد نعمة البصر فعنده حواس أخرى يمكنه تعویض هذا النقص فيسمع ويتحسس، يشم و يتذوق...
ولكن ما العمل إذا عُميت القلوب والضمائر ، والأبصار مبصرة ؟

أي إن كان لعمى الأبصار بديل، فما البديل إذاً لعمى القلوب؟
ومن جهة أخرى هناك الكثير من الأشياء تم نعتها بالعمياء على الرغم من أنها لا تملك عيوناً، فيقال "التقليد الأعمى"،  وذلك لأن التقاليد يكون من دون إدراك للاتجاه الذي يسلكه المرء ، فقط يفعله لأنه قد تعود عليها أو رأى فلاناً قد فعلها ، فأي شيء يفعله الإنسان أكثر من ثلاث مرات يصبح عادة ، ويألفها ويواصل تكرارها بحرفية تامة وكأنها شيء مقدس أو نوع من العبادة ، لا يجرؤ على تغييرها في المستقبل  إذاً العادة هي شيء مكتسب نتيجة استمرارية ممارسة الأفعال نفسها حتى أصبحت عفوية ولا إرادية، والتقليد الأعمى هو اتباع الآخرين من دون وعي واتزان في العقل و إحساس بالقلب، بمعنى أن يرد على السائل الذي يسأله عن سبب فعلته ويقول : لأن هذا ما قام به فلان ، أو ما أمرني به علان ، أي أنه يمشى مغمضاً قلبه وعقله معاً فيقع في الضلال ، هناك لوحة جديرة بالتأمل للرسام الهولندي بيتر بروجل الأكبر وهي لوحة "أعمى يقود العميان".

لقد انتشر عمى القلوب والضمائر في الآونة الأخيرة في اليمن وتعددت أشكال التقليد الأعمى وصوره، وصاروا يرتكبون الجرائم بحق الأقليات والمواطنين المسالمين عبر قهر المظلومين والاعتداء على أرواحهم وحرمانهم من حقوقهم الأصيلة في الحياة كحرية المعتقدات الدينية والعبادة، حرية الفكر والرأي والتعبير، حرية المسكن والحركة والعمل فتطاولوا بشراسة وعمى ودون أدنى رؤية للعاقبة على حقوق هؤلاء الأقليات خاصة الأقلية البهائية المسالمة الذين قد عاشوا مع إخوانهم بكل محبة وصدق وأمانة وقد خدموا مجتمعهم بكل إخلاص وتفان.

ومن صور عمى القلوب والضمائر المنتشرة اليوم في مجتمعنا قهر المظلومين واعتقالهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية ومنها الحق في العيش الكريم و حقهم في المواطنة المتساوية دون أدنى تمييز أو تفرق، فتم نهب أموالهم بيد الحوثيين ومصادرة ممتلكاتهم وهذا أعظم دليل على عمى قلوبهم و ضمائرهم ، هكذا يرى الحوثيون أنفسهم على حق وغيرهم على باطل ، وهؤلاء العميان يقودهم أعمى عبر خطب الكراهية التي يلقيها عليهم بسبب جهله وتعصبه، لذا نحن اليوم بحاجة إلى تدابير عديدة كتعليم أفضل لأطفالنا يضم الناحية الروحانية والمادية وذلك بغرس الفضائل الأخلاقية في وجدانهم و تعليمهم مبدأ التعايش السلمي و الإيمان بوحدة الجنس البشري ، وفتح نوافذ واسعة للحوار والنقاش المفتوح المتين فضلاً عن إعلام حر يتسم بالتنوع والتعددية ليعطي تمثيلاً أفضل لجميع شرائح المجتمع ولا سيما هؤلاء الذين يتعرضون للتهميش والظلم على يد هذه الثلة العمياء التي يقودها أعمى قد ضل طريق الحق والهدى فقسى قلبه وغلظت معاملته مع الناس فقال الله عز وجل عنهم :"أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بها أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ" صدق الله العظيم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى