المتعاقدون.. العقدة والحل

> أولا : العقدة:
جيش جرار من الموظفين غير الرسميين، من الصعب معرفة أعدادهم لعدم وجود إحصائيات رسمية، ظاهرة بدأت في تسعينيات القرن الماضي، كانت أعدادهم محدودة جدا، منها رسمية ووفقا للقانون، أما الغالبية العظمى لم تكن متوافقة مع التشريعات السائدة، وزاد الأمر سوءًا بعد الحرب الأخيرة عندما تحولت إجراءات التعاقد إلى عمليات عشوائية تقوم بها الوحدات الإدارية من دون إشراف الخدمة المدنية .
  • أسباب ظهورها:
تم اللجوء إلى التعاقد، عندما تقلصت الاعتمادات المالية في الموازنات، والمخصصة للتوظيف، حيث لجأت العديد من وحدات الخدمةالعامة إلى التعاقد منذ منتصف التسعينيات، وكانت العملية منظمة في بادىء الأمر، وكانت تستخدم لسد العجز في الايدي العاملة، وكانت تتم تلبية لاحتياج حقيقي، بسبب نقص في قواها الوظيفية، نظرا لندرة الوظائف المرصودة بموازناتها لعدة سنوات، مما اضطرها للبحث عن خيارات أخرى لتغطية العجز من الموظفين، ومالبث أن تحول التعاقد لدى بعض الوحدات الإدارية إلى التعاقد دون حاجة، وإنما محسوبيات ومجاملات وفقا لمبدأ الأقرباء أولى بالتعاقد، حيث أصبح التعاقد منذ نشوب الحرب الأخيرة إجراء غير قانوني، ومخالف لشروط التعاقد المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية، رقم 19 لسنة 1991م ولائحته التنفيذية وأهمها :
  1. توافر المخصصات المالية للتعاقد في موازنة الوحدة في الباب الأول بند الأجور التعاقدية.
  2. الموافقة المسبقة من وزارة الخدمة المدنية على التعاقد .
  3. ضرورة تطابق حقوق الموظف المتعاقد من حيث الأجر مع حقوق الموظف الدائم.
  4. حق الموظف المتعاقد في الاشتراكات التأمينية وفق قانون التأمينات والمعاشات أسوة بحق الموظف الدائم.
  • أعداد المتعاقدين
حاولت الحصول على معلومات حول أعدادهم من المصادر الرسمية، دون جدوى حيث لايمكن معرفة عددهم الحقيقي على الاطلاق، وعند محاولة أخذ نماذج محدودة، والقياس عليها شعرنا بحجم المشكلة الكبيرة جدا ، ففي أحد المرافق الإيرادية، شكلت نسبة المتعاقدين رسميا حوالي 40٪ ، ونسبة المتعاقدين الرسميين و غير الرسميين حوالي 60٪ من إجمالي الموظفين الرسميين، بينما وجدنا في أحد المؤسسات التعليمية الجامعية، أن نسبة المتعاقدين شكلت حوالي 23٪ من الهيئة التعليمية الاساسية والمساعدة، إلى الهيئة التعليمية الأساسية والمساعدة الرسميين، أما نسبة المتعاقدين الموظفين في نفس المؤسسة التعليمة الجامعية فيبلغ 47٪ من إجمالي الموظفين. إن تلك المعلومات كنموذج لعدد المتعاقدين ونسبتهم، ودورهم الكبير، والذي يعد هاما في تسيير مؤسسات الدولة يقابله حرمان وإجحاف مزرٍ في حقوقهم .
  • من يتحمل المسؤولية ؟
أجزم أن أغلب التعاقدات مخالفة تماما لشروط التعاقد، وهي مشكلة يتحمل مسؤليتها كل الأطراف، سواء الحكومة بدرجة رئيسية، والوحدات الإدارية التي وجدت في التعاقد منفذا سهلا للهروب من الإجراءات والضوابط والاشتراطات المطبقة عبر بوابة الخدمة المدنية. إنه الفساد والمحسوبية بتفضيل التعاقد مع الأهل والأقارب والمعارف (وربما من يدفع أكثر) دون أي مؤهلات تتطلبها الوظائف، وأصبحت الوحدات الإدارية العامة إقطاعيات خاصة، ساعد على ذلك غياب تام للأجهزة الرقابية.
  • أجور المتعاقدين
لعل أكبر مأساة ترافق عملية التعاقد، هي ضياع الحقوق وخاصة الأجور التي تُمنح لهم بالمخالفة للقانون والمنطق، وأعتبرها انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، قد تتساوى مع العبودية في القرون الوسطى، ففي أحد المرافق الإيرادية، يتقاضى المتعاقد حوالي 25000 ريال، كمتوسط أجر شهري مايعادل 20 دولارا أمريكيا، وفي أحد مؤسسات التعليم الجامعي، يتقاضى الموظف حوالي 7000 ريال شهريا للإداريين، مع إضافة 11000 ريال مكافأة، أي 18000 ريال شهريا مايعادل 15 دولارا أمريكيا، وأعرف حالة -هنا- يعمل صاحبها منذ 2001م، أما أعضاء الهيئة التعليمية، فيعملون دون أي أجور تذكر، أجزم أن مايتقاضاه المتعاقدون، لا يفي بأي متطلبات لأشخاصهم، ما بالكم بحاجات أسرهم، وأجزم أن أجور بعض المتعاقدين، هي أقل بكثيرمن مخصصات تصرف على رعاية وتغذية عصفور في بلدان أخرى.
  • حقوق المتعاقدين المهدورة
  1. عدم مساواة راتب المتعاقدين مع راتب الموظفين الأساسيين بحسب قانون الخدمة المدنيه النافذ .
  2. عدم احتساب سنوات العمل كمتعاقد سنوات خدمة ينتفع بمميزاتها في حال التثبيت أو التقاعد.
  3. عدم تحديد مهام محددة للمتعاقد، حسب تخصصه ومؤهلاته، بل يتم -في بعض الأحيان- استغلاله ليقوم بأعمال وخدمات مجحفة تخدم مصالح الوحدة الإدارية.
  4. غياب أي ضمانات في أولوية التوظيف الرسمي، عند وجود وظائف رسمية والزج بهم في منافسة غير عادلة على الوظائف، دون مراعاة خدماتهم.
إن توظيف المتعاقدين والذي وصل تعاقد بعضهم أكثر من عشرين عاما، هي قضية إنسانية ملحة، مع ضرورة إعادة توزيعهم، حسب الحاجة والكفاءة والتخصص ومحاسبة الوحدات الإدارية التي تعاقدت معهم، بالمخالفة للقانون المذكور أعلاه، ووقف فوري لأي توظيف أو تعاقدات جديدة حتى تحل مشاكل التعاقدات المتراكمة منذ تسعينيات القرن الماضي حتى الان.
  • الحل
المتعاقدون فئة شباب وخريجو جامعات ومعاهد في كافة التخصصات، أصبح مصيرهم الوظيفي صعبا للغاية، فأغلب التعاقدات لدى وحدات الخدمة العامة، هي مخالفة لشروط التعاقد، حيث برزت مشاكل وصعوبات حالت دون استكمال إجراءات تثبيتهم، لأسباب عديدة و وجيهة، أهمها عدم علم الخدمة المدنية بذلك، وعليه فإن الحل لتلك المشكلة الإنسانية الكبيرة، يمكن أن يتم عبر قيام وزارة الخدمة المدنية والتأمينات، بمعرفة أعدادهم وتوزيعهم في الوحدات الإدارية، وبعدها يجب إعطاؤهم الأولوية في التوظيف، حسب حالات التعاقد كأولوية لاتقبل التسويف والتأجيل، مع ضرورة توفير الموارد المالية في الموازنة العامة للدولة، وكما يجب رفع أجورهم فورا، إلى الأجورالقانونية للمتعاقدين، ودفع مستحقات التقاعد، ومنحهم أفضلية في التوظيف، واحتساب تعويضات مالية لهم عن الاجور الضائعة، تدفع لهم عند تحسن وتوافر الإمكانيات المالية مستقبلا .

أدعو السلطات والإعلام والقضاء، خاصة النائب العام والرأي العام عموما، للوقوف على حل مشرف لقضية المتعاقدين.
*رئيس تحرير مجلة الرابطة الاقتصادية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى