​الفساد من وجهة نظر تربوية

>
اهتم علماء التربية بدراسة سلوك الإنسان، وكيف يمكن تعديل هذا السلوك وتوجيهه والسيطرة عليه، ومن وجهة نظر تربوية، يمكن القول أن كثيرا من المشاكل التي تؤثر على التنمية واستقرار مجتمع ما إنما تعود جذورها إلى وجود خلل في التربية منذ الصغر، في البيت والمدرسة.

أن النظم التربوية والتعليمية في كثير من مجتمعات العالم النامي الذي تظهر فيه مظاهر من السلوكيات الغير مقبولة اجتماعيا، لا يتم  فيها إشباع حاجات الإنسان الأساسية، وبالتالي يظهر عجزا في تكوين علاقات يسودها الصدق والنزاهة والأمانة والإحساس بالمسؤولية.

بينت الدراسات أن الإنسان له حاجات يجب أن يتم إشباعها منذ الصغر وفقا لأولوية حاجته لها، وتأتي أولا الحاجة إلى الأكل والشرب والنوم والسكن ( حاجات فسيولوجية )، ثم الحاجة إلى الأمن، ثم الحاجة إلى الحب والانتماء إلى جماعة، وأخيرا الحاجة إلى التقدير وإثبات الذات (حاجات نفسية)، وقد قام بترتيب هذه الحاجات عالم النفس الأمريكي ابراهام ماسلو عام 1943 وسميت نظريته بـ ( هرم ماسلو) وإشباع هذه الحاجات ضرورية للنمو السوي لأنها تؤثر على الإدراك والسلوك، والتربية السليمة تتطلب توفير هذه الاحتياجات للطفل أثناء مراحل نموه المختلفة، حتى تصل به إلى مرحلة التقدير الذاتي وهو ما عجزت النظم التعليمية والتربوية من تحقيقه في مجتمعاتنا.

ثبت علميا أن الإنسان الذي لم يشعر بالأمان في طفولته، ولم يحصل على الحب والحنان والتقدير، وعانى من الحرمان والقسوة والعنف والتشرد يكون في حالة خوف دائم وريبة، لا يشعر بالانتماء إلى أي جماعة، ويعجز عن التعاطف مع أفراد مجتمعه، والإحساس باحتياجاتهم، وهو في ظل الاحتياج إلى الأمن النفسي يسعى نحو حماية نفسه حتى ولو بطرق غير مشروعة، طرق تدخل ضمن دائرة الفساد، ويعرف الفساد بأنه "أخذ ما ليس لك " ، وهو سلوك غير سوي، وغير عادل، وأي سلوك غير عادل خاصة عندما يستشري بين شريحة كبيرة من الناس، يسبب خللا يضرب أركان المجتمع ويعرقل نموه، ناهيك عن الإحساس بعدم الأمان في فترة الحروب والاضطرابات التي تزيد من حالات الفساد، والاتجاه نحو الكسب غير المشروع. كما يمكن أن يصبح الإنسان فاسدا تحت وطأة الفقر والحاجة، أو عدم الإدراك بأن ما يأخذه يدخل ضمن دائرة الفساد.

توفير بيئة آمنة للطفل في البيت والمدرسة من الأمور الهامة الأساسية لإشباع حاجة الطفل للأمان، كما أن معاملته بالحب والاحترام، وعدم استخدام وسائل الضرب والصوت العالي والتلويح بالتهديد والتوبيخ والتقليل من الشأن لأي سبب كل ذلك يدعم الثقة بالنفس والتقدير الذاتي.

 تأسيسا على ما تقدم، يمكن الإشارة الى أن التربية يمكن أن تنتج أفرادا فاسدين لا يشعرون بتأنيب الضمير، ولا يشعرون بقبح ما يفعلون، ولا يردعهم دين أو خوف من العقاب الإلهي، كما يمكن للتربية أن تنتج مواطنين صالحين، ملتزمين بالقانون، يبذلون  الجهد في انجاز العمل، يتطلعون نحو تنمية مجتمعهم، لديهم الإحساس بالانتماء إلى الجماعة وتقدير احتياجاتها، كل ذلك إذا حسن تربيتهم، وتوجيههم، وتطوير إدراكهم في التمييز بين الخير والشر من خلال المواقف اليومية أو القصص أو الأفلام الكرتونية، وتدريبهم مبكرا على الإحساس بالمسؤولية نحو النفس ونحو الجماعة، والمحافظة على الممتلكات العامة، وتدريبهم على الأمانة والنزاهة مبكرا بأن أخذ شيئا ليس لهم أمرا غير مقبول، وسلوك غير عادل، يشعرهم بتأنيب الضمير، ولا يجعلهم راضين عن أنفسهم، وأن ذلك يعرضهم للعقاب والمحاسبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى