​فؤاد عباس بلدوزر برتبة فنان

> محمد العولقي

> فؤاد عباس .. كان مهاجما من طراز فريد ، كتلة من العضلات وقوام مكتنز يُوحي بأنك أمام دبابة بشرية تم تصميمها في معامل نادي (الجيش) بواسطة الخبير السوفياتي (فاليري) .. فؤاد عباس اللاعب .. كان نموذجا لمهاجم قوي بدنيا ، وعنيف جسديا، وصارم نفسيا ، يوقع على الأهداف بكل الطرق والوسائل .. وعلى فكرة لفؤاد عباس حدس فريد ، يضعه دائما في المواقع ، التي لا تخطر على بال المدافعين، مهاجم شرس معجون بالحديد الصلب والفولاذ ، و(بلدوزر) بشري لا يكف عن النبش وعن تسجيل الأهداف.
  الذين عرفوا فؤاد عباس لاعبا في زمن جميل ولى وأفل نجمه ، يشهدون له بأنه كان مهاجما صعبا وعنيدا ، يستفز المدافعين ، ويوقعهم في شباك الضغط النفسي ، وعندما تبوأ ذات موسم صدارة الهدافي ، مستبقاً أبوبكر الماس ، ومحمد حسن أبو علاء ، ومحمد جعبل ، وعلي نشطان ووجدان شاذلي ، كان هذا السبق اللافت للأنظار يدل على أن فؤاد عباس مهاجم ناري وآلة لا تتوقف عن مضغ الأهداف.

   الذين عرفوا فؤاد عباس لاعبا قويا لا يرق قلبه ، ولا ترحم قدمه الفولاذية حراس الملاعب ، لا يعرفون أن لهذا المهاجم العنيف والمستفز وجها فنيا جميلا يختلف تماما عن وجهه الرياضي ، ويا سبحان الله .. فؤاد اللاعب المشاغب الذي يموج وجهه بتعابير تدل على الشراسة والقسوة داخل الملاعب هو ذاته الصوت المرنم الجميل الذي يحفظ تراثنا الفني الجنوبي عن ظهر قلب.

   ذات صدفة خير من ألف ميعا ، فتحت السيرة الفنية ، وحاولت استعراض مهارتي في سبر أغوار تراثنا الفني ، لكن فؤاد عباس فاجأني بأنه أرشيف فني متحرك وكمبيوتر بشري ، ما إن تغذيه بفنان معين ، حتى تنساب أغانيه من شفتيه ، وبصفير منغم جميل ، يكشف عن وجه جديد ينبض بعاطفة صادقة تترجمها قسمات وجهه.

  يا سبحان الله .. فؤاد عباس ذو الوجه الكروي المحتقن داخل الملعب ، هو ذاته الوجه اللين المستكين ، الذي يردد الآهات والأنات ، بقلب ينبض شجناً ولوعة وجوى ، عندما ناقشته في الفن الأصيل ، باح لي بكل أسراره ، ولم يكن ليفوت الفرصة ، وهو يُوشي لي بهذا الاعتراف :
قبل كل مباراة كنت أتفاءل بالصوت الملائكي للفنانة فيروز ، كنت أشنف أذني ، وأصغي لأغانيها الرائعة ، عندها يزول توتري ، وأدخل أرض الملعب بمزاج رائق.

  وفؤاد عباس ليس مجرد أذن موسيقية يستهوي التراث الفني ويتذوقه كعاشق للإحساس المرهف ، لكنه أيضا يمتلك صوتا جميلا أخاذا يسافر بكل شجونك إلى حيث زمان وصل الطرب الجنوبي الخالد، وفؤاد يغربل أمامك كل أغنية ، يُحصي أنفاس مطربها وكلماتها ، ويفتت وجدان شاعرها ثم يضعك وجها لوجه مع ذاتك فتحلق عاليا في عالم الشجن الممزوج بسحر اللحن والكلمة فيما يبقى فؤاد عباس بصوته البديع يشدو بعمق، باصماً على كل أذن تعشق قبل العين أحياناً ببحة صوته الرنانة.

  وحسناً فعل النجم الدولي السابق وجدان شاذلي مدير عام مكتب الشباب و الرياضة بعدن ، عندما اختار (البلدوزر) الفنان فؤاد عباس واحداً من المكرمين ، في لفتة جميلة لم تراع فقط العيش والملح بين اللاعبين ، اللذين تزاملا بعض الوقت في نادي وحدة عدن فقط ، لكنها لفتة وضعت فؤاد عباس في المكانة التي يستحقها.

  في تصوري أن الوجه الفني للكابتن فؤاد عباس يكمل الوجه الآخر له كلاعب هداف بارع لطالما اشتكت الشباك من قذائفه وأهدافه ، التي تحمل بصمة (بلدوزر) قاس جداً في الملاعب ورقيق مرهف الحس فنياً خارج الملاعب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى