حَنَق النسوان

> دخلت الصين بلاد الشرق الأوسط، جاءت بحقيبة الديبلوماسي الفَطِن، هي البلد الكثير سكانه، الغزيرة أمواله.

جاءت تذكّر الناس بطريق الحرير، وعبَق التاريخ، وتسُد الفجوة بين الفُرقاء.

حُكي أن الذين يموتون بأمراض القلب في هذا البلد قليلون، لأن أعدادا هائلة منهم يشتغلون في الفِلاحة، ينخرطون بالعمل في الحقول والبساتين، يعانقون الطبيعة ويهيمون في الماء والزرع والجمال، فتستريح نفوسهم وتنشرح صدورهم، وقد عُلِمَ عنهم أنهم ينشدون البساطة في كل شؤونهم، وليس في حياتهم تعقيد.

بدا أن الأُفق الديبلوماسي لدول المنطقة يتسع، وليس بالضرورة بقاء العلاقة حكرا على واشنطن. هو "التغيير" سُنّة كونية، والعقل الفعّال هو المؤثّر في العالم. كثير من الصراعات والخصومات ستنتهي عندما نفتح نوافذ جديدة للتواصل، أليس العالم قرية كونية صغيرة؟

فَلِمَ الجفاء والبعاد؟

لكن نكتشف مع مرور الزمن أن "حَنَق الدُّوَل" شبيه بحنق النسوان. قالوا أن اختبار ملف اليمن، سيكون البرهان الصادق، لنجاح اتفاق بكين بين الرياض وطهران. لكن يبدو أن شيئا أكبر من اليمن وراء الاتفاق. هناك حنين إلى السلام، ﴿ وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾

[ الأنفال: 61].

إنْ ينتظر أهل البلد إرتدادات "البيان" بين صنعاء وعدن، فموعود سنابل الأرز سيكون وافرا، حين يسلّم الحوثي بوعد التقارب بين الجارة والحليف.

سوف تهبُ الصين السلام الأخضر، لِمَن يهبُ للاتفاق سمعهُ وقلبه.

هل يفضي الاتفاق إلى "حمامة الحمام" بدلاً عن "نمر النمر"؟

كما وليس ما قالته صنعاء عن الاتفاق أنه لا يُعنيها صحيحا، فقد عرف الناس قاصيهم ودانيهم حتى "العجائز" في الدار أن الحوثي لإيران والشرعية للسعودية، أما الجنوب فمن حقّه أن يصرّح كيف يشاء، فأمره خارج إرادة الاتفاق، وقضيته مصيرية.

هو الجنوب ينظر ويتأمل، ويعطي الفُرَص من أجل السلام وهو شريك فاعل في تحقيقه، ولديه قدرة كبيرة على الصبر والصمود، شعاره:

ماضِقتُ ذَرْعا بغمٍّ عند نائبةٍ

إلّا ولي فَرَجٌ قد حَلَّ أو حانَا

يبدو أن واشنطن ستحزن وليس بكين، لأن أكثر حزن الناس في هذا الزمن وأسفهم حين يفقدون المال وإنما يفرحون حين يحصّلونه.

وربما صار جفاء البيت الأبيض نحو شركائها الرئيسين في المنطقة، تفويت لصفقات مربحة، قد تنالها بكين التي تعزّز حضورها وتُكرّس ديبلوماسيتها، وتمضي في طريق الحرير، بينما تطأُ أمريكا شوكا بحسب رغبتها فقد صارت مع الحلفاء قريبا من "حَنَق النسوان".

لا يغرُّ الحاكم المحلي في موضوع الجنوب ماقيل عنه لُطف التدبير وشدّة الأناة أو مُدارة السلطان، فكل شيءٍ بأجَل، فإن أصعب الصعب الآن استدراج "الجنوب" الى باب اليمن.

ليفُك سراح الأسرى بحسب اتفاق جنيف، فإنه حين تخرج الشخصيات الكبيرة من الأسر مع بقية الأُسارى سيُفَك لا محالة أسر الساسة الطُّلقاء من قوقعة الخصومة والصدام.

لكن عدن هي من سجّلت سلاما حين وهبت للشرعية وحلفائها وأصدقائها من الأقطار، مكانا فوق ترابها يتحركون كيف يشاءون، ويعمدون للحوار والنقاش والمفاوضات. لقد صار من أدب المدينة"صنائع المعروف تقي مصارع السُّوء".

ما نراه في الديبلوماسية الدولية هذه الأيام "حَنَق النسوان".

وشرّ البليّة ما يضحك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى