حرب المدن في السودان تضع البلاد على حافة الهاوية

> ​الخرطوم "الأيام" «القدس العربي»:

> تدخل المعارك العنيفة بين الجيش السوداني، بقيادة رئيس المجلس السيادي- السلطة الأعلى في البلاد- ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» أسبوعها الثاني، فيما يبدو أنها حرب حتى النهاية، بعد ما لم يعد بإمكان أي منهما تشارك كرسي الحكم مع آخر.

ومنذ انقلاب الجيش بالاشتراك مع الدعم السريع على الحكومة الانتقالية، في 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021 أصبح البرهان ونائبه حميدتي، الحاكمين الفعليين للبلاد، بينما كان المحتجون في شوارع البلاد، يطالبون بالحكم المدني الديمقراطي، رافعين شعار «عودة الجيش للثكنات وحل الدعم السريع».

«أعتقد أن طبيعة العلاقة بين البرهان وحميدتي، هي ما عززت وجودهم حتى الآن» هذا ما قاله القيادي في الحرية والتغيير ياسر عرمان في حوار مع «القدس العربي» في آذار/مارس الماضي، بالتزامن مع تصاعد حدة الخلافات بين الجيش والدعم السريع وبداية التحشيد العسكري لجنود وأسلحة كلا الجانبين التي بدت على أهبة الاستعداد. والذي اتهم الإسلاميين وعناصر النظام السابق بدفع الأطراف العسكرية في اتجاه الحرب، لاستعادة السلطة في غمار الفوضى التي تخلفها.

ولكن، إلى أي مدى كان التقارب بين البرهان وحميدتي، والذي يبدو أنه شكلا حماية متبادلة لكليهما، على الرغم من أن مصالح كل من الرجلين لم تكن متوافقة دائما.
  • حرب دارفور
ولم تكن النشأة الأولى للعلاقة التي بدت وطيدة بين الرجلين، في العام 2015 بالتزامن مع عاصفة الحزم، في اليمن، حيث أشرف البرهان على القوات السودانية في التحالف العربي، بالتنسيق مع حميدتي، والتي كان يشارك فيها بالإضافة إلى الجنود المبتعثين من الجيش السوداني عدد كبير من قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي. ولكنها نشأت قبل نحو 20 عاما، إبان مشاركتهما في حرب دارفور، التي اندلعت في العام 2003 حيث كان حميدتي، مقاتلا في ميليشيا عشائرية، استخدمها نظام البشير في حربه ضد الحركات المسلحة، بينما كان البرهان ضابطا في القوات البرية، وخاضا العديد من المعارك معا.

لاحقا، تم تدريب تلك المجموعات العشائرية، وتكوين قوة شبه عسكرية، سميت «حرس الحدود» مهمتها إسناد الجيش في حربه ضد المجموعات المسلحة التي أعلنت التمرد ضده هناك.

وينتمي البرهان (63 عاما) والذي ولد بولاية نهر النيل شمال البلاد إلى عائلة دينية متصوفة تتبع طريقة الختمية – من الطرق الدينية البارزة في السودان- وتدرج بعد تخرجه في الدفعة 31 من الكلية الحربية في الخدمة العسكرية، حيث شارك في حرب الجنوب ودارفور، وقوات المشاة، وانخرط ضمن حرس الحدود التي أصبح قائدها لاحقا، كما عمل ملحقا عسكريا في الصين، وتدرج ليصبح مفتشا عاما للقوات المسلحة السودانية في  فبراير 2018 قبل نحو عشرة أشهر على اندلاع الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، في 11 أبريل 2019 ليصبح البرهان الذي برز أسمه وقتها لأول مرة، على الرغم من خدمته لأكثر من ثلاثة عقود في الجيش.

وبعد رفض الشارع تولي عوض ابن عوف رئاسة المجلس العسكري الذي أعلن انحيازه للثورة السودانية، والذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، في نظام البشير، أعلن استقالته بعد يوم واحد وتنازل القائد الثاني بعده في التراتبية كمال عبد المعروف عن المنصب أيضا، ليصبح البرهان الذي لم يكن يعرفه السودانيون وقتها، رئيسا للمجلس العسكري وقائدا عاما للجيش.

ووفق جنرال متقاعد، تحدث لـ«القدس العربي» كان ضمن القادة العسكريين الذين دربوا قوات الدعم السريع وشارك في معارك مع البرهان وحميدتي، «كان الرجلان يعملان بانسجام في دارفور».

وأضاف: «حميدتي، الذي وجه أكبر ضربة للرئيس المعزول عمر البشير، بانحيازه لمجموعة المجلس العسكري، كان يرى أنه صاحب الفضل على البرهان والسبب في توليه الرئاسة، وأنه مارس ضغوطاً كبيرة داخل المجلس لإبعاد إبن عوف وعبد المعروف عن المقعد والذى آل بطبيعة الحال إلى البرهان».
  • معركة «قوز دنقو»
وفي معركة «قوز دنقو» بولاية جنوب دارفور، غرب البلاد، مطلع العام 2015 برز نجم حميدتي، الذي كبدت قواته التي تشكلت قبلها بعامين، الحركات المسلحة هزيمة فادحة، احتفل بها الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير، في الميدان، ومنح خلالها وسام الشجاعة لقوات الدعم السريع، التي تشكلت من ذات الميليشيات ذات الطابع القبلي وورثت تركة «مجموعة حرس الحدود».

«أنا إنسان ليس لي أي علاقة بالحكومة ولا بالقتال، والسياسة أو العسكرية، عملت في تجارة الإبل، ما بين تشاد ونيجيريا وليبيا منذ العام 1991 حتى عام 2003 حيث بدأت التعاون مع الجيش وجمعت لهم الناس كان وقتها عمري 28 عاما فقط» هذا ما قاله حميدتي (48 عاما) معرفا عن نفسه في حوار أجرته مع صحيفة «أول النهار» المحلية في العام 2016.

وبعد تولي البرهان رئاسة المجلس السيادي في الحكومة الانتقالية في آب/اغسطس 2019 تم تعيين حميدتي نائبا له، ومنذ ذلك الوقت بدأ الرجل الثاني في الدولة بناء إمبراطورية اقتصادية وعسكرية مستقلة، ذات ارتباطات دولية وإقليمية.
ووصولا إلى انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أطاح بالشراكة مع المدنيين والحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، بدا أن الرجلين ما يزالان متقاربين. وفي أعقاب الانقلاب، تعقد المشهد السياسي في البلاد، وأصبحت الخلافات بين الأطراف تتصاعد يوماً بعد يوم، وسط استمرار التظاهرات الشعبية المطالبة بإنهاء حكم البرهان وحميدتي.

وأثارت إعادة البرهان الإسلاميين إلى مؤسسات الدولة، مخاوف حميدتي الذي يعتبره الإسلاميون عدوهم اللدود، وتحمله مسؤولية سقوط نظام البشير، كما بدا أن الرجلين بدأت تتقاطع تحالفاتهما الداخلية والخارجية، على نحو يهدد وجود الآخر.
وفي ديسمبر الماضي، وقعت مكونات الحرية والتغيير والعسكر وعدد من التنظيمات السياسية الأخرى والحركات المسلحة اتفاقا إطاريا كان من المنتظر أن يقود إلى تسوية تعيد الانتقال الديمقراطي إلى البلاد إلا أنه مثل كذلك أساساً للخلافات بين الجيش والدعم السريع اللذين يتبنيان وجهتي نظر مختلفتين حوله ترتبط بأطراف الاتفاق.

وفي أعقاب ذلك تصاعدت شيئاً فشيئاً الخلافات بين الجانبين، واندلعت حرب التصريحات، بينما اشتدت مخاوف السودانيين، من احتمالية نشوب صدام مسلح بين الجيش والدعم السريع، وهو الأمر الذي أبدى قادة سياسيون قلقهم منه بشكل معلن، قبل أن يحاولوا التوسط بينهما.

وفي ظل تلك الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة، نجح الوسطاء في جمع البرهان وحميدتي، في اجتماع وصفته أطراف العملية السياسية بالمفصلي. وشارك الرجلان بالفعل في مفاوضات حول الإصلاح العسكري تمهيدا لتوقيع الاتفاق النهائي وتسليم السلطة للمدنيين.

وتصاعدت الخلافات خلال ورشة الإصلاح الأمني والعسكري ما أدى إلى انسحاب ممثلي الجيش، الذين رفضوا مطالب لحميدتي بدمج قواته في الجيش خلال فترة زمنية مدتها عشرة أعوام، والذين تمسكوا بإنهاء العملية خلال عامين، ومقابل تصور قدمه حميدتي بتبعية قوات الدعم السريع لرئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية المقبلة تمسك الجيش بتبعية تلك القوات لقيادته.

وفي صباح السبت 15 نيسان/ابريل الجاري، تحولت مخاوف السودانيين إلى واقع، واندلعت حرب البرهان حميدتي في شوارع العاصمة الخرطوم وأنحاء أخرى في البلاد، مخلفة مئات القتلى وآلاف الجرحى، وسط دمار واسع للمواقع الاستراتيجية السيادية والعسكرية، لم تنج منها الأحياء السكنية والمشافي والمرافق المدنية. وفي ظل هدنة هشة من المقرر استمرارها لثلاثة أيام، ما تزال تشتد وتيرة الحرب، التي يتمسك الطرفان بالوصول إلى نهايتها، التي لا تبدو واضحة المآلات وسط مخاوف من تحولها إلى حرب أهلية تحول ثالث أكبر دولة في أفريقيا إلى دويلات صغيرة متنازعة وفق مصالح إقليمية ودولية متضاربة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى