الجنوبيون ومظلة الحوار

> منذ العهد الجمهوري الذي عرفته اليمن شمالا وجنوبا في عقد الستينيات من القرن العشرين، ظلت الخلافات والتبيانات السياسية لدى الساسة اليمنيين وقادة السلطة تحتكم للغة القوة وكانت تنقاد بشكل متتالي للغلبة والقهر والتسلط، وعليها تحولت السلطة من كونها جهة مسؤولة على رعاية الشعب وحمايته، إلى حلبة مصارعة تغرق بدماء رجالها، وتصدّر لرعاياها المآسي والأحزان، ناهيك عن ما تخلفه من أحقاد وضغائن تكون في وقت لاحق سببا لإشعال فتيل صراع آخر .

قد يكون حدث إعلان وحدة اليمن المغدورة بين الدولتين في مايو 90م ، بمثابة ولادة مبكرة ومفاجئة جرت دون تدخل آلة الدمار، لكنها في حقيقتها كانت ولادة معاقة وهزيلة ومشوّهة، سرعان ما أُزهقت روحها بدويّ الرشاش والمدفع وهي لا تزال في مهدها، وهذا في اعتقادي يعود إلى سبب وحيد يتمثل في كون قرار الوحدة المزهوقة، قد اتخذ بعيدا عن ثقافة الحوار الرصينة والدبلوماسية البرّاقة، التي لم يكن يتقنها ولم يعرفها بعد السّاسة وصنّاع القرار في الدولتين، لكون هؤلاء لم يكونوا قد عملوا بها أو تمرّسوا من قبل عليها، إذ ظلوا منشغلين في مناكفات وصراعات سياسية دموية لا نهاية لها، دون رغبة منهم في البدء بتجربة مسار سياسي مبني على أسس منطقية مقبولة ونهج سليم نادر الاعوجاج على الأقل .

في صنعاء وعلى مدى عام كامل ظلت الأطراف السياسية تتحاور، أفضت النتائج إلى حرب مدمرة لم تنته بعد، ولم يكن العيب مطلقا في الحوار بل في تلك الأطراف التي قادها الغرور السياسي وطمع السلطة وشهوة الحكم إلى جرّ الجميع إلى مستنقع الصراع، لرغبتها في انتاج واقع مختلف تكون فيه هذه الأطراف هي متسيّدة المشهد والمتحكمة فيه مرة أخرى لعقود طويلة قادمة .

لا شك أن اللقاء التشاوري الجنوبي الذي تبناه المجلس الانتقالي مؤخرا في عدن بهدف تأسيس طيف جنوبي واحد الرؤية والهدف ، قد خلق لأبناء الجنوب بشكل خاص عهدا سياسيا جديدا، لا مكان فيه للغلبة والقوة، عهد يرتسم بالتفاهم والحوار والشراكة والقبول بالآخر .

نحن كمهتمين ومتابعين لشأن اليمن السياسي الداخلي وكدعاة سلام وشراكة، يفترض أن لا نتوقف عند مسألة من قاطع هذا اللقاء التشاروي، ولا ندقق في التاريخ الذي تزامن انطلاقه، ولا نتوقف حتى عند النتائج التي سيتمخض عليها اللقاء، هذه كلها أشياء صغيرة من يبحث فيها أشبه بمن يضع مطبّات لإعاقة مسار سفينة الحوار والتشاور.

إن الجميل في اللقاء التشاوري الجنوبي، هو أن من دعا له وتبناه هو الطرف الأقوى على الساحة الجنوبية ومن بيده القوة العسكرية، فأن يأتي الطرف الأقوى ويبذل جهود حثيثية وجبارة من أجل ترسيخ لغة الحوار والقبول بالآخر والوصول إلى دائرة الشراكة والإجماع الوطني، لعمري إن هذا يعد فاتحة خير يلزمنا جميعا الإشادة بها والدعاء لها بالتوفيق والنجاح.

*كاتب من شمال اليمن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى