تأملات عميقة في الحوار الجنوبي: بين التحديات والآمال

> تفتح أمامي فرصة ذهبية للتعبير عن شعور الفخر والنجاح الذي ينبض في داخلي بسبب التقدم الرائع الذي تم إحرازه في تحقيق الهدف المرسوم، والذي يتضمن إرساء قواعد جديدة وشعار متقدم ورفيع، يجسد قيم الحوار الحكيم والناضج والكلمة الطيبة والمؤثرة، ويضع نهاية للحوار الخشن والأرعن، والذي يتميز بالصراع والتناحرالمميت (حوار الكلاشنكوف والمدافع).

إن هذا الحوار الذي بدأناه قبل عامين، سواء داخل الوطن أو في الخارج، يجب أن يكون ثقافتنا الجديدة. لو كنا قد تبنيناه في الماضي، منذ استقلالنا الوطني في عام 1967م، في تعاملنا مع بعضنا البعض، لما واجهنا الصعوبات والمحن التي نواجهها اليوم، ولما فقدنا أفضل القادة والأعمدة من رجالنا، وحتى فقدان نظامنا الوطني الديمقراطي بأكمله.

عندما قرر قادة المجلس الانتقالي الحوار مع جميع المكونات الرئيسية في الجنوب، تردد البعض منا حتى أحد الأخوات المناضلات في بريطانيا التي طُرِحَ اسمها بقوة اعتذرت واستُبْدِلت بأخرى رائعة. لماذا؟ لأننا كنا نعتقد بأن عملنا في لجنة الحوار سيكون مجرد رفع عتب على قيادة المجلس الانتقالي. ولكن، بعد بضع جلسات من الحوار، أدركنا أن هذا الحوار هو فرصة لتحقيق التغيير الحقيقي في جنوب اليمن، وهو أمر يتطلب تعاون جميع المكونات والتركيز على المصالح المشتركة بينها. ولذلك، قمنا بالعمل مع بقية فريق الحوار الجنوبي لتحقيق نتائج إيجابية وملموسة لصالح جميع المواطنين في الجنوب.

ثانيا: كنا نشعر بالخوف من العمل في حوار يضم مكونات جنوبية متناثرة، حيث أن كل مكون يحمل ضغينة ضد الآخر، وكان ذلك يثير لدينا مخاوف بشأن إمكانية حدوث صراعات داخلية.

ثالثا: كان الخوف من التدخلات الخارجية والمؤامرات الكبيرة تجاه أي تقارب جنوبي، من قبيل تدخلات المحيط وغيرها، يزيد من حذرنا ويجعلنا نريد الانتباه جيدا إلى مخاطر القيام بهذا الحوار.

وللأسف، حتى بين رفاقنا الجنوبيين الطيبين، وجد من يستهزئ بجهودنا ويقلل من إمكانيات فريق الحوار الجنوبي. وقد رشقني أحد الأخوة المقربين بمثل محبط لا داعي لذكره، لكننا استمرينا في عملنا بإصرار وعزيمة حتى في أصعب الظروف. فالاستهزاء والتحدث بلغة الإحباط ليس الحل، بل يجب أن يدفعنا لبذل المزيد من الجهد والعمل الدؤوب لتحقيق أهدافنا.

كان إصرار جميع أعضاء الفريق، الذين تم اختيارهم من جميع محافظات الجنوب ما عدا المهرة، هو السبب وراء نجاح المرحلة الأولى من الحوار. ويجب أن نسجل جزءًا كبيرًا من هذا النجاح للدعم القوي من رئيس المجلس الانتقالي المناضل/عيدروس الزبيدي ورئيس فريق الحوار مراد الحالمي، الذي انسحب فيما بعد دون معرفتنا حتى الآن بسبب انسحابه. كما يجب أيضًا الإشارة إلى جهد نائبة الأخ/أحمد عمر بن فريد وبقية أعضاء الفريق.

لقد وضعنا خططًا واقعية وحددنا بدقة ملامح نشاطنا من الصفر. كنا نجتمع بانتظام كل أسبوع عبر برنامج "زوم" لعقد اجتماعات دورية. كانت الصراحة والصرامة والنقاش الجاد هي مفتاح تفاعلنا، حيث لم نلجأ إلى المجاملات الزائفة. تعاملنا بصدق واحترام حتى في حالات الاختلاف، وبذلنا جهودًا كبيرة وتحملنا المتاعب للوصول إلى كل فرد جنوبي بغض النظر عن مدى قربه أو بُعده. ومن أهم ما تميز به أعضاء الحوار هو وحدتهم، حيث تم تجاوز أية صعوبات أو اختلافات تعترض طريقنا بطريقة سلسة ومتناغمة أثناء التعامل مع المتحاورين. كانت سرية عملنا تحظى بأهمية قصوى، ونحن حرصنا على المحافظة عليها بشكل كامل.

تعلمنا خلال حواراتنا مع مختلف المكونات السياسية والاجتماعية والتجار والمثقفين والسفراء ورجال الدين والمرأة والشباب وغيرهم، أن نفتح صدورنا للجميع، حتى أولئك الذين رفضوا اللقاء بنا. ولم نتخذ أي موقف من أي شخص أبدًا.

وبعد فترة من الحوار، اكتسبنا خبرة قيّمة في فن التعامل مع المتحاورين، بما في ذلك أولئك الذين يختلفون معنا في الرأي أو يعارضون الحوار معنا. والأهم من ذلك، فإننا تمكنا من إقناع العديد من المختلفين مع توجهاتنا، وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وتقليل النسبة من المهاترات والرشقات الإعلامية التي تحدث بين بعض الأطراف.

ووجدنا أن الجميع، بما في ذلك جميع أبناء الوطن الجنوبيين الذين تحاورنا معهم خارج الوطن، يرغبون في وطن آمن يتساوى فيه جميع أبناء الوطن، ويسوده النظام والقانون، وتنتهي فيه الممارسات القمعية والاستقواء بالمناطقية والجهوية.

ثم تم اتخاذ قرار سليم بنقل فريق الحوار من الخارج إلى الداخل، وهذا القرار كان صائبًا رغم تقسيم الفريق إلى فريق داخلي وفريق خارجي، وإضافة أعضاء جدد ذوي خبرة كبيرة في مجال الحوارات الداخلية والخارجية. ولكي نكون عادلين تاريخيًا، يجب أن نذكر أن لجنة الحوار الداخلي برئاسة الدكتور صالح محسن الحاج ونائبه الأستاذ عبدالسلام السقلدي وبقية أعضاء الفريق لعبوا دورًا حاسمًا في التواصل مع جميع أجزاء المجتمع المدني، وكذلك فريق الحوار الخارجي برئاسة الأخ أحمد عمر بن فريد قد قاموا بجهود يستحقون الشكر عليها في نجاح هذا الحوار المثمر الذي أدى إلى توحيد بعض فصائل الحراك الجنوبي وتوقيع الميثاق الوطني.

نؤكد هنا أننا لم ننتهِ بعد من حوارنا في هذه المحطة، بل سوف نستمر في نشاطنا الحواري مع أولئك الذين لم يقتنعوا بما قدمناه. فالمرحلة التي نمر بها طويلة، ولا يزال لدينا الكثير لنقوم به في بداية هذا الطريق. والأهم من ذلك، هو تحويل كلماتنا وقراراتنا إلى أفعال يمكن لجميع أبناء شعبنا أن يشعروا بها.

علينا أن نوسع نطاق عملنا وحوارنا مع مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية في المراحل المقبلة، لأن ذلك له فوائد كبيرة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما يساعد ذلك في توحيد صفوفنا لمواجهة الأعداء الذين يهددون بلادنا بالحرب والانقسام، ولكي نتمكن من البقاء متحدين وموحدين في مواجهة التحديات التي تواجهنا.

والله من وراء القصد.
* نائب رئيس فريق الحوار الجنوبي الخارجي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى