قصة وعبرة من التاريخ

> تأملت هذه المقولة الشهيرة وذهبت ذاكرتي إلى استدعاء بعض الحوادث التاريخية والحديثة في تاريخ الجنوب

وقبل الولوج في التفاصيل تعالوا إلى تلك الرواية من تراثنا العربي

ومحتواها أن قومًا من الأعراب خرجوا للصيد فطاردوا ضبعة حتى الجأوها خباء أعرابي بدوي فما كان منه إلا أن جرد سيفه وحال بينهم وبينها وقال كلمة مشهورة (قد استجارت بي فأجرتها؛ والله لن تمسوها مادام سيفي بيدي) فجعل يطعمها ويسقيها ويقدم لها بنفس راضية كل ما لذّ وطاب . وذات يوم فيما كان نائما إذ وثبت عليه وبقرت بطنه وهربت، فجاء ابن عمه يطلبه فوجده جثة ملقية فتبعها حتى قتلها وأنشأ يقول:

ومن يصنع المعروف في غير أهله

يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر*

أدام لها حين استجارت ببيته

طعاما وألبان اللقاح الدرائر

وسمّنها حتى إذا ما تكاملت

بقرته بأنياب لها وأظافر

فقل لذوي المعروف هذا جزاء من

بدأ يصنع المعروف في غير شاكر

تذكرت حديث جدتي لأمي رحمها الله عندما كانت تردد بين فينة وأخرى اسم أحمد صفي الدين، وفي طفولتي لم أكترث لهذا الاسم كثيرا لكنه ظل عالقا، وما إن وعيت حتى دفعني فضولي للبحث عن هذا الاسم الذي تصفه جدتي بالغدر والعيب ونكران المعروف والجميل؛

وإذ به أحمد بن الحسن بن القاسم قائد الجيش الإمامي الذي غادر "ضوران" هاربا من عمه الأمام في عام 1049هجرية ليحتمي بدولة الأمير حسين عبدالقادر اليافعي أمير عدن ولحج وأبين حتى 1053هجرية، وهكذا وجد صفي الدين وجيشه وخيوله في ضيافة الأمير حسين الذي له علاقة بالنخوة والكرم والجود والشهامة والعطاء بغير مَنٍّ ولا تبرم، إلى أن جاء نسيب الصفي القاضي أحمد بن الحسن الحيمي وسيطا متوسلا الأمير حسين إقناع الصفي وجيشه بالعودة إلى ضوران وعندما أسر الصفي للأمير حسين موافقته على العودة قدم الأمير لائحة اشتراطات لصالح الصفي يوافق عليها الإمام بتوقيعه خطيا وهذا ما كان.

عاد الصفي وجيشه محميا بوثيقة" العهد والوفاق" عام 1051 هجرية التي وقعها عمه الإمام بضغط الأمير حسين ونخوته. إلى هنا والأمر طبيعي لكن ما الذي جرى؟! وما الذي كان يضمره هذا الصفي سيئ النية والسريرة.

بمجرد أن وصل هو وجيشه إلى عاصمتهم ضوران حتى قال لعمه الإمام مغريا إياه في غزو بلاد الأمير حسين، نظرا لما رصدته عيونه وجواسيسه في سني لجوئهم من ثروات ومن خير وفير عندما خاطب عمه الأمام قائلا: مولاي معك"رجال على حجار الخير والرزق الوفير هناك " يقصد في الجنوب. جهز الصفي بقيادته جيشا جرارا مشمولا بالكثرة العددية كما وصفه مؤرخهم الجرموزي

وما إن أطل هذا الجيش مشارف قعطبة والضالع حتى أطلق فتواه التكفيرية بحق الأمير حسين وشعبه عندما نصت الفتوى بكون حسين عبدالقادر ومن والاه كفرة من كفار التأويل وأنه يجوز قتل النساء والأطفال إذا تحصن بهم جيش الكفار ( جيش وقبائل الأمير حسين) حتى لا تكون الغلبة لجيش الكفار على جيش المسلمين، هههه قال المسلمين... ليكرر التاريخ نفسه في غزوة صيف 1994م فكانت الفتوى هي الفتوى والخطة هي الخطة والخديعة هي الخديعة والطرق هي الطرق والأدوات هي ذات الأدوات وما أشبه الليلة بالبارحة!. وهكذا كان الحال نفس الحال مع الأمير حسين وشعبه وعلي سالم البيض ودولته وشعبه وهو الذي قدم لهم دولة مسبعة مربعة بكل مقوماتها وما حمل حملها تضحية من أجل الهدف العظيم كما كنا نصفه ويصفه البيض وقومه.

عاثوا فسادا وقهرا وظلما ونهبا، لكن التاريخ أيضا لا يرحم الخونة الغدارين، فبعد سبعين عاما من تلك الحادثة (غزوة العيب والغدر) تداعى ال الجنوب وزعاماتهم وقرروا طرد الغزاة عندما توحدوا على كلمة سواء إلا من بعض المرتشين، فكان لهم ما أردوا وكان للغزاة ما يخشون . تعالوا جميعا أهلنا ورموزنا في مشارق الجنوب وغربه وشماله وجنوبه اليوم إلى كلمة سواء ليعيد التاريخ نفسه. ولنا في التاريخ حكمة وعظة وليكن التاريخ معلمنا الأكبر.

___

*أم عامر: لقب يطلق على الضباع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى