مشاهدات من رحلة إلى جنوب اليمن.. حكاية شتات وغربة ووفاء

> شيماء منير مطر

> تصفيات جسدية لـ 156 قائدا جنوبيا خلال ثلاثة أعوام من الوحدة

منذ أن توجهت بوصلتي المهنية إلى الاهتمام بجنوب اليمن، فكرت في الكتابة عن حكاية مدن تلونت بالدم، خلال ثلاث عقود مضت في عهد الرئيس على عبد الله صالح ، الرئيس الأسبق لليمن ، ولكن خلال زيارتى الثانية، رأيت جنوب اليمن كما لم نره من قبل، رأيت شعبا خرج عن بكرة أبيه، متجها نحو مدينة حضرموت، ليشارك في رسم ملامح مستقبل يطمحون إليه، تولد لدي شعور عميق بالكتابة عن هذا الشعب الفريد من نوعه، عن آمال شعب لم ير السلام والاستقرار يوما.

وقف الشريط في وضع ثابت

خرج الآلاف في شبه انتفاضة شعبية يردد جملة واحدة :” بالروح بالدم نفديك يا جنوب".. هذا الشعار أعاد بموجبه ذاكرة الأحداث الدامية القديمة التى وقعت بعد يوم 21 مايو 1990، الذى تم فيه التوقيع على اتفاق الوحدة بين الدولتين بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي كانت تحكم جنوب اليمن، والجمهورية العربية اليمنية التى تحكم الشطر الشمالي، وما تلاها من الإجراءاتُ الانتقاميّة ضد كوادر جنوبية، تمّ من خلالها تسريحُ معظم ضبّاط الجيش الجنوبيّ، في عمليّةٍ واسعةٍ بالإحالة على التقاعد المبكر، مرورا بانقلاب صنعاء وغزو الجنوب، وقيام الحرب الأهلية عام 1994، ولذا عرف هذا اليوم في جنوب اليمن بـ” الوحدة المشؤومة “.

وتزامنا مع ذكرى الليلة التى انقلب فيها مصير بلد برمته، عقدت الدورة السادسة للجمعية الوطنية في حضرموت، التى تعد بمثابة برلمان جنوبي للمجلس الانتقالي .

مساق زمني

كانت مدينة حضرموت في هذا اليوم تعج بأعداد هائلة من المركبات، رافعين علم دولة الجنوب السابقة، في هذا اليوم زحف شعب جنوب اليمن من كافة المحافظات، عن بكرة أبيه إلى قبلة الحضارات، مدينة حضرموت، لحضور فعاليات الجمعية الوطنية .. الجميع في انتظار القرارات المصيرية المعلنة.

القاعة امتلأت بأعداد كبيرة، لم يقتصر الحضور على القيادات العسكرية والسياسية، الأبرز في المشاركة العفويّة هذه المرّة الفئات الشعبيّة من كافة محافظات جنوب اليمن.

واللافت للانتباه العدد الكبير من النساء الحاضرات، ففي جعبة كل منهن فائض من القضايا المحملة بالألم، إذ يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن السيدات هن المعيلات الرئيسيات لثلث الأسر، التي نزحت عن ديارها بسبب الصراعات، التى لها أثر مدمر على سكان اليمن، جنوبا وشمالا، لا سيما النساء والأطفال.

وفي حوار دار بيني وبين اللواء أحمد سعيد بن بريك، رئيس الجمعية الوطنية ونائب رئيس المجلس الانتقالي، أكد على دلالة اختيار التاريخ والمكان لعقد الدورة السادسة للجمعية الوطنية، ليعلن في ذكرى الوحدة التى حملت معاها خيبات عظمى، عن ملامح دولة حضرموت العربية الموحدة القادمة، وعاصمتها "عدن" .

وشدد بن بريك على أن دلالة اختيار محافظة حضرموت، لاستقبال كافة الحشود وانعقاد الجمعية الوطنية للتأكيد على رغبة الشعب برحيل المنطقة العسكرية الأولى، المسيطر عليها حزب الإصلاح الإخواني، إلى جبهات القتال ضد "أنصار الله" في المحافظات الواقعة شمال اليمن، وترك إدارة الوادي لسكانه.

فقد تصاعدت خلال الأشهر الماضية الاحتجاجات الشعبية الحضرمية المطالبة بتحرير وادي حضرموت، وتنفيذ اتفاق الرياض وإخراج القوات الموالية للإخوان من مدن وادي حضرموت والمهرة لاحقا.

تعرفت على الجنوب لأول مرة في الـ 11 من عمري عندما التقيت نجل السياسي "صالح شائف"
تعرفت على الجنوب لأول مرة في الـ 11 من عمري عندما التقيت نجل السياسي "صالح شائف"

واللافت للانتباه في كلمة "بن بريك" أمام الحشود ،إعلانه عن خارطة طريق مدروسة، تحدد ملامح تغييرات قادمة في قوله :” الشعب لن ينتظر خمسين عاما كحال القضية الفلسطينية، حتى يسترد دولته ويعترف بقضيته ..هدفنا انتزاع حق الشعب في إدارة شؤون بلاده “.

زمان الوصل

كنت أجلس أراقب الحاضرين، وما لفت انتباهي وسط الحشود، عمرو سالم البيض، نجل الرئيس الجنوبي علي سالم البيض .

لم أنل شرف اللقاء بالرئيس "البيض" لكن عرفت لماذا يعتبره شعبه زعيما محبوبا حتى اليوم، من موقف يبدو عابرا من نجله أثار انتباهي وسط هذه الحشود .

كانت القاعة ممتلئة بأكثر من خمسة آلاف مشارك، والكل يتزاحم للجلوس في الصفوف الأمامية ..فصمم نجل ” الرئيس الجنوبي السابق" أن يترك كرسيه في الصف الأول بين القيادات، لشعب الجنوب الذى قطع مسافات للمشاركة في اختيار مصيره بلده، وفضل الجلوس في كرسي متطرف في آخر الصفوف وسط الأبطال المنسيين وهم عموم الشعب الصامد المقاوم.

لا يعد أمرا غريبا على أسرة "البيض" التي اشتهرت بتواضعها الشديد وتقربها الكبير من شعبها.

في حديث خاص مع نجل "البيض " قال :” كنت دائما أسأل أبي متى أعود إلى بلدى؟".. اضطر لترك بلده منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1994، وهو عمره عشر سنوات وعاد إليها منذ بضعة أشهر بعد فراق دام قرابة 30 عاما.

ماضٍ ما مضى

تعرّفتُ على جنوب اليمن للمرّة الأولى وأنا في الحادية عشرة تقريبا ، حينما تعرفت على جيران جدد في شارعنا ..كل ما أعرفه عنهم أنهم أتوا من جنوب اليمن بسبب قيام الحرب الأهلية .

يشدّني الحنين إلى ماضٍ ليس بالبعيد.. تصادف لقائي الأول مع أحد من أبناء جيراننا الجدد يدعي ” واعد صالح شائف “.. وكان انطباعي الأول عنه أن خطواته مقبلة على الحياة، يتحدث اللغة العربية ويعرف في شارعنا أنه من عائلة سياسية كبيرة أتت من جنوب اليمن.

لم أكن بالتأكيد على درجةٍ ناضجةٍ من الوعي السياسي، ولكنى أتذكر جيدا روايات سمعتها عن أعمال نهب طالت منزلهم في عدن، تم الاستيلاء على منازل القيادات الجنوبية التى خرجت من عدن والكثير من الممتلكات الخاصة، التي غادرها أصحابها أثناء الحرب، وأصبح كل شيء مستباحا في ظل الفوضى التى شهدتها المدينة على إثر حرب أهلية، وسمعت أيضا عن أسماء قيادات في الحزب الاشتراكي تم اعتقالهم من قبل نظام على عبد الله صالح، وأخفى العديد منهم ولا أحد يعرف مصيرهم حتى الآن .

قاد نظام ”على عبد الله صالح" البلاد إلى الوحدة مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1990، لكنه ومنذ اليوم الأول للدخول إلى الوحدة، بدأ يفكر كيف يتخلص من شركاء الوحدة في الحزب الاشتراكي، وبدأت عملية تصفية جسدية ممنهجة لقيادات الحزب، واستخدم الإخوان في الحشد الديني ضد الجنوب أثناء حرب 1994، واستفاد من مشايخ الدين في إصدار فتاوى تبيح دماء الجنوبيين، وأشهرها فتوى عبد الوهاب الديلمي التي بموجبها تم غزو الجنوب تحت مبرر”اشتراكيين كفار “.

اللواء بن بريك: انعقاد الجمعية الوطنية في حضرموت تأكيد على رغبة الجنوبيين برحيل المنطقة العسكرية الأولى
اللواء بن بريك: انعقاد الجمعية الوطنية في حضرموت تأكيد على رغبة الجنوبيين برحيل المنطقة العسكرية الأولى

وخلال ثلاث أعوام فقط من الوحدة ، وقعت تصفيات جسدية لـ 156 قائدا ، شملت مفكرين وسياسيين وقيادات عسكرية بينهم عبدالمجيد مرشد نجل شقيق الرئيس الجنوبي علي سالم البيض.

بعدما تطورت علاقتي بأسرة "واعد" ..وتوالت الزيارات على منزل والده "صالح شائف “الذي يقضي معظم وقته في غرفته بين الكتب وكتابة المقالات ..أتذكر أن من ضمن أوائل الكتب في مكتبتي الصغيرة كانت له بعنوان :”العرب وأمريكا ..قراءة بعيون التاريخ وشواهد الواقع" أتذكر افتتاحية هذا الكتاب "إلى أبناء وبنات العرب الذين لم يتمكنوا حبس آهاتهم وأنينهم في صدروهم، ويرفضون بكبرياء الخضوع أمام أدوات القمع والقهر، ويأبون أن تكون أصواتهم عالية، ورفضهم معلنا في مواجهة أنظمة الحكم الاستبدادية والناهبة لثروات شعوبهم …" فنسجتُ صورة في مخيلتي عن شعب جنوب اليمن، شعب مثقف سياسيا ..أناس تملؤها روح عاشقة للحياة وللمقاومة.

استعرت عناصر هذه الصورة في البداية من روح "واعد"..كنت أشعر بضجيج حكي بداخله، يعجز عن إيقافه ..فكيف لشاب تغيرت مدنه وشوارعها وأصحابه أن يتوقف عن التفكير .. كنت أرى صراع بين الذاكرة المحمولة من موطنه وبين محاولة الاندماج فى بلد جديدة عليه.

واستكملت عناصر هذه الصورة من الحكايات التي سمعتها على لسان أسرته ممن ذاقوا ويلات الحرب الأهلية.. ومن أغنيات اسمعها في منزل والده في الصباح الباكر، أغانى تعزف على لحن المقاومة لمارسيل خليفة، وفيروز وآخرى يمنية لها إيقاع خاص، ومن نصوص قراتها بقلمه وأنا صغيرة ..ورسومات رأيتها في منزله .. وعناصر كثيرة أخرى شكلت صورة تراكمت لتشكل صورة عن هذا الشعب .

تصبحون على وطن

لم يفقد "واعد" بوصلته طوال سنوات الشتات عن الوطن، كان يأخذنى "واعد" في رحلة عبر خرائط والصور والفيديوهات على الإنترنت، يعرفني من خلالها على جمال موطنه، ينتقل من جمال الطبيعية الساحرة لعنفوان التاريخ.

"هنا قرية "حمادة" بمحافظة الضالع تقع فوق منطقة جبلية قريبة للحدود مع المحافظات الشمالية المسيطر عليها حاليا الحوثي ..هرسم لك شكل بيتنا المطل على قمة جبل…هنا تربيت فى بيت جدتي ..كنت أحب الجلوس عندها بالقرية عند أجواء منزلنا بمدينة عدن ..فكانت تروي لي قصصا عن مقاومة الاستعمار البريطاني .. ولم يقو عليها حتى اليوم عتاد وأسلحة الحوثى “.

شيء ما في أحاديثه عن موطنه يفتحُ لك بابًا فتدخُل معه من الظلامِ إلى النور..حكى لي عن موسم أمطار التى تتحول معه الجبال لجنة خضراء.

يطلعني على صور لمناظر طبيعية ساحرة، وصور للصهاريج و التماثيل المنقوشة على الصخر في أغوار الجبال..ويستكمل الرحلة وهو يستمع لأغنية تجسد امامى ما يدور بداخله من غربة :”مــوطــنــي، مــوطــنــي، الجـلال والجـمال والســناء والبهاء، فـــي ربــاك، فــي ربــاك، والحـياة والنـجاة ،والهـناء والرجـاء، فــي هـــواك، فــي هـــواك، هـــل أراك، هـــل أراك، سالما مـنعما و غانما مكرما"

منذ اللقاء الأول بأسرة "واعد صالح شائف" ،كنت أشعر بحجم الألم الممزوج بالأمل الذى يعتلي روحهم وخاصة عندما يتحدثون عن أهلهم في عدن والضالع وشوقهم للعودة. وعلى مدار السنين لم تتزعزع أرواحهم وإيمانهم بالعودة يوما ما إلى موطنهم. هذا الحنين بات معلّقا و رغبة العودة بداخلهم لا تتلاشى.

"هتروح الجنوب تعمل ايه وتعيش إزاي؟.... البلد ظروفها صعبة ومفيش كهرباء ". هكذا أستمع لأصدقاء مقربين عندما علموا برغبة "واعد" في العودة لموطنه عام2017.

بعد أكثر من عشرين عاما، تجددت لهفة "واعد" للعودة لموطنه أتذكر كلماته جيدا :” لازم أرجع للبلاد حتى لو هعود زحفا على الأقدام “..هى ذات اللهفة التى حكى بها نجل "البيض" عن حلم العودة الذي ظل يطارده 30عاما ، وهو يحتفظ بكل تفاصيل الذاكرة، ويروي لى بحنين ممزوج بشجن عن طفولته بعدن ، قبل قرار الوحدة في عام 1990.

لا يوجد من يفهم هذه اللحظة سوى مغترب اضطر أن يترك بلده قسرا ..فقد عاد نجل "البيض" من عمان، و"واعد" من مصر، وقد التقيت بآخرين عادوا من لندن..الجميع في انتظار مصير دولتهم خاصة فى ظل التسوية السياسية المرتقبة بين السعودية والحوثي، لتكتمل لدي معالم صورة أخرى بأنّ كنز أرض الجنوب وجمالها تكمن في شعبها .. ونقاء جوهره .. وولائه لموطنه، مهما اشتدت عليه الظروف وانعدمت مقومات الحياة، لا يتمنى إلا وصل اللقاء بترابها.

أحداث متسارعة سياسيا وعسكريا

اليوم كان لي لقاء مع أرض الجنوب أشعر بالحاجة إلى أن أزور المساحات الخضراء وسط الجبال، التي صوّرها لى "واعد" ويعانق السحاب من أعلى الجبال ، لدي رغبة في التجول في أرض لم أرها سوى على خرائط جوجل. أتجوّل في شوارع مملكة حضر موت، وأعاين جبل صيرة، وأرى حدود هذه البلاد، وكلّ القرى التي شهدت مقاومة ضد بطش نظام على عبد الله صالح، ومن بعده الحوثي ومن قبله الاستعمار البريطاني.

في الطريق من مطار ” الريان الدولى " بحضرموت للفندق، تستقبلك لافتة كبيرة على الطريق عليها صورة الرئيس عيدروس، رئيس المجلس الانتقالي، وعضو مجلس الرئاسة، و كُتب عليها: من لا يأتى إلينا سنذهب إليه “.

فقد دعا عضو هيئة الرئاسة، إلى حوار وطنى جنوبي لنبذ العنف وتوحيد الصفوف، لتسوية كافة الخلافات سلميا بالحوار.

الحوار الذي انطلق بمدينة عدن الشهر الماضى، وما تمخض عنه من توقيع على ميثاق الشرف الوطني الجنوبي، لرسم وصياغة مستقبل الدولة القادمة، نص على :”أن دولة الجنوب المنشودة دولة اتحادية مدنية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة تؤسس على الإرادة الشعبية “.

عدد كبير من النساء حضرن فعاليات الجمعية الوطنية وفي جعبتهن قضايا محملة بالألم
عدد كبير من النساء حضرن فعاليات الجمعية الوطنية وفي جعبتهن قضايا محملة بالألم

كما جاء بالميثاق الوطنى :”إن كلَّ جنوبي سيدٌ في وطنه وعلى أرض إقليمه أو ولايته أو مدينته أو منطقته، وأبناء كل إقليم هم من سيدير شؤون إقليمهم، وأن أبناء حضـرموت وشبوة والمهرة وسقطرى وأبين وعدن ولحج والضالع، سيرسمون معًا ملامح مستقبل الجنوب بمحض إرادتهم دون وصاية ولا إكراه".

التدقيق في مخرجات الحوار الوطنى الجنوبي، نجد أن دعوة "عيدروس" للحوار الوطني تهيئة لما سوف يأتى من بعده ، فقد أعلن، في كلمته بالجمعية الوطنية، ثلاثة خيارات سيتم استفتاء الشعب حولها وهي ، دولة حضرموت، دولة الجنوب العربي، دولة جمهورية اليمن الديمقراطية.

وبخصوص المشاورات الجارية بين السعودية و مليشيات الحوثي والتسوية السياسية المرتقبة أكد للجماهير المحتشدة على موقفه الواضح في قوله :” المناضلون الأحرار لن يسمحوا أبدًا بتمرير أي تسويات منقوصة، لا تلبي مطالب شعب الجنوب في استعادة دولته المعترف بها دوليًا حتى 21 مايو 1990 ، وهذا دورنا الذي لن نتوانى عن القيام به، محذرا من تحديات تواجه مسيرة نضال الشعب ضد الواقع الذي فرضته حرب صيف 1994 .

وعقب كلمة "عيدروس " بساعات قليلة، وردت أنباء من مصادر عسكرية، أن السعودية أرسلت دعوة لعيدروس ومشايخ "حضرموت" للسفر لعقد مباحثات حول أوضاع اليمن .

ورغم شح الأخبار عن طبيعة هذه المباحثات إلا أن هذه الأحداث ترسم فصولًا سياسيا، تمهد لمرحلة مصيرية وفارقة في حياة هذه الرقعة الإقليمية الواقعة في صميم منطقة تقاسي آلام المحن.

المرحلة حساسة

وفي آخر ليلة بحضرموت، لفت انتباهي رجلا يلتف حوله أكثر من مرة عدد من الحاضرين، وتدور نقاشات بينهم تطول بالساعات، ما يميز هذا الرجل الهدوء والتواضع والابتسامة لا تفارقه ..عرفت أنه كان مديرا لمكتب الرئيس الجنوبي السابق، وعاد مؤخرا من لندن إلى عدن بعد سنوات غربة ليترأس الحوار الوطنى الجنوبي.

حاولت أن أتأكد من اسمه ..أنه هو الدكتور محسن صالح الحاج، كنت أتواصل معه عبر الواتس منذ سنوات، ولم أتوقع أن يصادف أول لقاء بيننا مع عودته لموطنه وسط هذا الحشد الشعبي.

ذهبت إليه وسط الحشود، واستقبلني بحفاوة ..عرفني على الحاضرين واستمعت إلى الكثير من النقاشات، التى تنوعت ما بين آمال ومخاوف وتطلعات لموقف المجتمع الدولي .

وعلى هامش النقاشات، دار بيني وبينه حوار، عن انطباعه بعد عودته لوطنه لطبيعة ما يجري على أرض الجنوب، فعبر بابتسامته المعتادة :” من يمتلك أدوات الحسم هذه المرة هو الشعب “، لافتا أن المرحلة حساسة في ظل خارطة التحالفات السياسية التى تغيرت بالمجمل لذلك علينا التعاطي مع هذه المتغيرات داخليا وخارجيا .

المقاومة بالغناء

حالفني الحظ أن أعود من حضرموت إلى عدن، عبر "باص" يحمل حشودا من مثقفين ونساء وناشطين وأعضاء للبرلمان الجنوبي .. لأرى الحياة بداخلهم بوجه آخر.

تحول "الباص" إلى أشبه بساحة ثوار لا يتوقف الغناء فيه، بهذا التناقض العجيب يحيا هذا الشعب بالغناء والأمل.. ارتفعت أصوات تصفيق بحماسة، رأيت ثورة بعيونهم وهم يغنون"

بلادي أحييك فلتسلمي

بلادي ويا قبلة الخالدين

ويا منبع النور لن تقحمي

فدتك النفوس إذا ما دعا

والجميع يشارك بأصوات، مشحونة بطاقة الأمل، ومشاعر تكاد ترتقي إلى ما يشبه حالة يقينية، بصباح يوم ما ينتظرونه مرددين :”ولن يرتضي غير هذا الصباح صباحا.. يحييك فلتسلمي"

جاعلًا من مقاومته تيمة تستحق أن تُغنّى، لتروي حكاية شعب :” والله ورب العرش ما نخضع ..للطاغي الفاسد وأعوانه، لو السماء من فوقنا تولع..والكون يتزلزل ببركانه، أو يهدمون البيت بالمدفع ..والله بعد اليوم ما نرجع .. لو يفتحوا مليون زنزانة.. ياما نصحنا إنسان ما يسمع..كل ما نصحنا زاد طغيانه"

يعكس غناؤهم طريقا شاقا عمره 33 عاما، طريق مقاومة القمع، طريق يشقه أبناء جنوب اليمن ، أطفالا وشبابا، كهولا وشيوخا- بأمل يعيشون من أجله، ومازالوا أكثر تمسكا به من أي وقت مضى ..”وما زالت الأصوات تتعالى بالغناء، اليوم يا شعب الجنوب انزع.. حقك وجهز للعمل زانة، نعيد دولة والعلم بايرفع..من فوق صيرة يوم إعلانه".

"درب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى