مصر تتمسك بضبط النفس أمام استفزازات الجزيرة

> القاهرة "الأيام" العرب:

> لم تصْفُ العلاقات بين مصر وقطر بالطريقة التي تنهي المناوشات بينهما، وتنسجم مع تطلّعات القاهرة نحو قيام الدوحة بضخ المزيد من الاستثمارات، وما أن تستقر الأمور السياسية حتى يظهر منغص من هنا أو هناك يعكس قدرا من التوجس.

وقد حمل بيان صدر عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر هجوما حادا على شبكة الجزيرة القطرية بعد أن شككت المحطة في نزاهة القضاء المصري منذ أيام عقب إعادة إدراج صحافييْن يعملان بالجزيرة على قوائم الإرهاب، وهو ما وصفته بـ”الإجراء التعسفي” وطالبت الأمم المتحدة بالضغط على القاهرة لوقفه.

وكشف مصدر مطلع بالقاهرة لـ”العرب” أن توجيهات صدرت لمسؤولي وسائل الإعلام المصرية الرسمية بعدم نشر البيان الصادر عن مجلس تنظيم الإعلام ضد الجزيرة لعدم الانجرار خلف استفزازاتها، ما يؤدي إلى عودة التوتر بين القاهرة والدوحة، في وقت تتمسك فيه الحكومة المصرية بضبط النفس أمام استمرار الخطاب المراوغ من قبل الجزيرة.

ولم يُنشر بيان مجلس الإعلام في الصحف الرسمية أو شبه الرسمية، لكن تم بثه في وسائل إعلام لا تخضع لتبعية الحكومة، في إشارة توحي بالتحفظ على صدور بيان بلهجة حادة من الجهة المعنية بإدارة الإعلام وتنظيمه في البلاد، وبعد أن وصلت رسالته تدخلت جهات مسؤولة لمنع النشر ووقف التصعيد المحتمل.

واستنكر المجلس تدخل قناة الجزيرة في شأن يخص منظومة القضاء المصري واستهداف العدالة بالهجوم والتجريح إزاء قضايا منظورة أمام المحاكم المدنية، ولها أن تأخذ حقها في الدفاع وفقا للقوانين المصرية التي تحترم المواثيق الدولية وحقوق الإنسان.

وشدد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على التزامه بأقصى درجات ضبط الممارسة الإعلامية حيال “اعتداءات سافرة تمارسها الجزيرة ضد القضاء المصري، ودفاعها عن عناصر تحاكم على ذمة قضايا متعلقة بالانضمام لجماعات محظورة قانونا ومتهمة بالإرهاب (الإخوان) وتحصل على فرصتها العادلة أمام القضاء الطبيعي”.

وكشف المصدر ذاته لـ”العرب” أن تعليمات شفوية صدرت لرؤساء تحرير صحف ومواقع مصرية عديدة بعدم نشر كل ما يخص مجلس تنظيم الإعلام إلا بعد التدقيق والرجوع إلى جهات معنية برسم سياساته لمنع حدوث ما يتناقض مع تصورات الدولة.

واستخدم مجلس تنظيم الإعلام توصيف “السياسات الإعلامية العدائية” في رده على الجزيرة، ما يفهم منه أن القاهرة لا تزال تتعامل مع القناة من منظور الخصومة.

وأشار المجلس إلى أنه يتمسك بالأمل في أن “تقلع الجزيرة عن هذه الممارسات وأنه يحتفظ بحقوقه في الرد دون الإساءة لأحد”، وهي عبارة تحمل ترضية ضمنية للدوحة قبل أن تصنف الانتقادات الموجهة للجزيرة على أنها موجهة للنظام القطري، في وقت يبدو فيه أن هناك تعثرا في وعوده الاقتصادية الداعمة لمصر.

وترى دوائر سياسية في القاهرة أن الصمت على إساءات الجزيرة لا يعبّر عن ضعف، لكنه يشي بأن مصر تتمسك بعدم وضع الشبكة مع النظام القطري في سلة واحدة، وإلا لم تكن لتتحرك خطوة واحدة إلى الأمام في طريق المصالحة، فمصر تُدرك خطورة إطلاق إعلامها على الدوحة وما يحمله من توتّرات جديدة قد يصعب ترميمها مستقبلا.

ويعاني الإعلام المصري من مشكلة ترتبط بأنه قريب من النظام الحاكم ويتبنى رؤاه ولا يحتفظ لنفسه بهامش من المعارضة، ما يخضعه لحسابات رسمية في نظر الكثير من خصومه، ولذلك تواجه الحكومة مأزقا، فلو سمحت لإعلامها أن يردّ على الجزيرة بضراوة فالتبعات السياسية سوف تتحملها الدولة.

ووجدت بعض وسائل الإعلام المصرية نفسها في حرج بالغ عندما غيّرت سياستها عقب التحسن السياسي بين القاهرة والدوحة كي تتناغم مع الخط العام الجديد الذي ظهرت عليه معالم إيجابية في العلاقات بين البلدين، وغاب عن المنابر المصرية أن نظيرتها القطرية لم تتمسك تماما بهذا التوجه واحتفظ بعضها بهامش للمناورة، ولا يخلو خطابها من تعاطف مع جماعة الإخوان، الأمر الذي تظهر ملامحه في الجزيرة.

ومنذ التطورات الإيجابية التي حدثت في العلاقات بين مصر وقطر في العامين الماضيين والجزيرة غير ملتزمة بمقتضيات هذا التحسن وتصر على مناكفة القاهرة من حين إلى آخر، لكن الأخيرة تتعامل معها بصبر إستراتيجي، مع أن موقف القناة يثير شكوكا حول توجهات قطر وتوظيف المحطة سياسيا، وكأن الدوحة لا تريد التخلي عن ممارسة ضغوط على مصر بزعم أن الجزيرة لديها مساحة من الحرية.

ويرى خبراء في الإعلام أن تبعية غالبية وسائل الإعلام المصرية للحكومة أجبرتها على انتهاج سياسة حذرة، ولو تحركت بعض المنابر بأريحية لكانت وجدت الشبكة القطرية إعلاما يتصدّى لها بمعالجات مضادة قوية، لذلك فخوض معركة إعلامية مع الجزيرة عبر إعلام تابع للحكومة ستكون له تداعيات سياسية.

وترتب على الوضع الراهن أن مصر غير قادرة على مناورة قطر، مع أن لديها قناة إقليمية تحمل اسم “القاهرة الإخبارية”، لكنها تعاني من مرض تبعيتها لدوائر حكومية.

وقال صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن صورة الإعلام مهتزة وتبعيته للحكومة تضعه في مأزق، بالتالي الصمت أفضل، والمشكلة أن الكثير من وسائل الإعلام لا تمتلك رؤية إستراتيجية محددة للدفاع عن المؤسسات، وإذا حاولت الرد على التشكيك قد لا تفعل ذلك باحتراف.

وأكد أن الجزيرة تمارس الطريقة التقليدية في الهجوم على مصر لأسباب سياسية واضحة والردّ عليها في حاجة إلى المزيد من التعقل وليس الانجرار خلفها لتجنب توريط الحكومة في أزمة جديدة، لافتا إلى أن حرص القاهرة على الترفع عن الرد مطلوب أحيانا كدولة لديها ما هو أهم داخليا وخارجيا ولا تريد الجري وراء مهاترات الجزيرة.

وقد يُفهم تجاهل الإعلام المصري للرد على تطاول الجزيرة أن هناك رغبة لدى القاهرة بألاّ تهبط إلى مستوى العراك مع القناة القطرية، وفي ظل قناعة بأن الإعلام المحلي ليس مؤثرا بالقدر الذي يمكنه من وضع حدّ لتجاوزات الجزيرة، وقد يتسبّب في أزمة بلا داع بعد أن بدأت القاهرة ترميم الكثير من علاقاتها الإقليمية.

ولا يستهوي المؤيدون للنظام المصري استمرار صمت الإعلام أمام تجاوزات الجزيرة، لأن ذلك قد يساعدها على كسب شعبية أكبر في صفوف معارضيه، ومن الضروري الرد عليها لدحض الأكاذيب والشائعات وما تمارسه من تحريض سياسي أحيانا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى