"الأيام" وجه عدن الآخر

> لكل زمان مضى آية

وآية هذا الزمان الصحف

(شوقي)

تظل "الأيام" فريدة عدن الصحفية في عهد الصحافة العدنية التي رافقت الدورة النهضوية الاقتصادية والاجتماعية الكبرى بعدن بعد الحرب العالمية الثانية (1939- 1945 م) مباشرة.

وكان الوجيه العدني البارز الأستاذ محـمد علي باشراحيل (1919- 1993) في عين الأحداث المتلاحقة في عدن وواحد من صناع الحدث منذ انخراطه في العمل السياسي في الحزب الجنوبي الجامع رابطة أبناء الجنوب على عهد العلامة المؤسس المناضل الكبير محـمد علي الجفري.

فالباشراحيل، لا يشذ في هذه الحالة عن القاعدة، إن زعامات عدنية بارزة خرجت بالأساس من عباءة الرابطة حتى تلك التي جنحت إلى القومية العربية أو الماركسية وما بينهما.

الحق أقول إن الأستاذ محـمد علي باشراحيل، كان في منزلة بين منزلتين قريبا من الفكر السياسي الذي برز بقوة الصاروخ بالثورة المصرية وزعامة الخالد جمال عبدالناصر، ولكنه لم يتحزب ليظل الهامش السياسي أمامه واسعا مستوعبا تطلعات الشارع العدني ومنحازا له وداخلا في صميم المعادلة السياسية لكيانات الجنوب من خلال صحيفته واهتمامه بالحالة العامة هناك، في المحميات، دون أن يوارى الباب عن الإرهاصات و التبدلات المتصاعدة في اليمن، لعمق تفهمه وإدراكه لتأثير ذلك على الجنوب وعدن على حد سواء.

نقول ذلك، ونحن نعي أن دراسات أكاديمية للصحافة العدنية طغى عليها التوجه الأيديولوجي المسيطر في الجنوب بعد الاستقلال 1967 م متعسفا التاريخ والواقع العدني، حتى ليدخل زعيم البلاشفة طرفا في نشوء وازدهار الصحافة العدنية. أو يتم الأمر على طريقة ذم الميت فإنه لا يسمع بوصم صحف بالرجعية دون حتى قراءتها.

وقد دبجت عشرات الرسائل العلمية في جامعات موسكو بهذه الطريقة البائسة بينما كنا نقرأ للروس في ماركسيتهم اعتزازهم بإرثهم الذي سبق الثورة البلشفية 1917م وإن كانت كوربسكايا زوج (لينين) قد وضعت قائمة سوداء - سيئة الذكر- بالنفر العديد من أدباء ومفكري روسيا، ممن يمنع على الفلاحين قراءتهم.

لا ننكر أن الأستاذ الكبير محـمد علي باشراحيل، كما غيره من وجهاء عدن من الطبقة المتعلمة والمثقفة، التي قادت التحولات الكبيرة في عدن في تلك الفترة، قد استفادت من الحالة الليبرالية التي توفرها الإدارة البريطانية في عدن. وهي حالة تظل في مجال الحريات الصحفية أفضل مما ساد ويسود في بلادنا بعد الاستقلال حتى الآن.

ودون تعمية أو جلد للذات، فإن قانون الصحافة في عدن تلك الأيام لم يكن ليتعامل مع أبناء المستعمرة عدن كأنهم قطعة من مدينة الضباب.

فقد حوكم باشراحيل، وتعرض للمضايقات بقوة مواقفه وكتاباته وما ينشر في وريقات (الأيام) من آراء القوى السياسة المختلفة، ولأن باب بيته ومكتبه مفتوحا لكل التيارات الوطنية في عدن والجنوب، مما أثار حفيظة السلطات البريطانية، وخاصة في فترة اندلاع الثورة في الجنوب.

و (ما أشبه الليلة بالبارحة) عندما شاهدنا ما تعرضت له (الأيام) في دور إصدارها الثاني بعد الوحدة اليمنية عام 1990م بريادة شهيد الصحافة الأستاذ هشام، - رحمه الله- و أخيه الأستاذ تمام محـمد علي باشراحيل، - أدام الله عزه - مع إدراكنا لاختلاف الحالتين حيث (ظلم ذوي القربى أشد مضاضة) ولا يتورع ذو القربى عن استخدام السلاح الخفيف والمتوسط على بيت الباشراحيل، بمن فيه من نساء وأطفال.

إن قراءة فاحصة ومتعمقة لكتابات الرائد محـمد على باشراحيل، من الناحية السياسية والفنية، وقد كان لي شرف ذلك في يوم ما، تجعلنا نضعه في الصف الأول المتقدم لمناضلي تلك الفترة، وطنيا، بدءًا من نشاطه الثقافي والمجتمعي مرورا بالمجلس البلدي، وما كان يطرحه من مطالب تخدم عدن وأهلها.

وعندما أصدر صحيفته "الأيام" عام 1958م لم يتخل عن هذا الدور الذي ظل رديفا في صحيفته وملازما له حتى إغلاقها في 1967 م.

ومن الناحية الفنية الإبداعية فإن الباشراحيل، قد استخدم لغة عربية راقية في كتاباته الصحفية قريبة جدا من لغة الأستاذ محـمد حسنين هيكل.

و يا ليت من يكتبون اليوم ما يشبه المنشورات يتعلمون من أسلوب باشراحيل الكبير، إذ ليس المهم أن تعبر عن رأيك بل الأهم أن يخرج رأيك مقنعا ومتقنا بلغة سليمة، وإن كانت الفكرة لا اختلاف عليها، فالكتابة تقوم على (المبنى) و (المعنى) معا.

ومن ذكائه رحمه الله، إدراكه -وهو الذي يتنفس صحافة- إن المهنية هي سيدة العمل الصحفي. والالتزام بها مقوم من مقومات الصحافة، والخروج عنها سقوط وإسفاف بالصحيفة هذه أو تلك.

فاستطاع أن يكيف صحيفته لتكون صحيفة خبرية بالأساس بالاعتماد على الخبر، استقباله وإعادة نشره، دون أن تتخلى الصحيفة عن ذلك كل عهده وفي دورتها الثانية على يدي نجليه وأحفاده.

رحم الله أستاذ التوعية الصحفية عميد "الأيام" محـمد علي باشراحيل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى