​تقرير: الغلاء يهدد ما تبقى من مقومات معيشة اليمنيين

> عدن «الأيام» الشرق الأوسط:

>
نهاية كل شهر تضطر كثير من الأسر اليمنية لبيع أحد أغراضها لسداد إيجار المنزل الذي يسكنونه وتلبية بعض من متطلبات المعيشة للاستمرار في الحياة.

يعاني السكان في عموم المدن اليمنية من أزمة سكنية ومضاربة في أسعار الإيجارات مصحوبة بانقطاع رواتب الموظفين العموميين واتساع رقعة البطالة وتدهور العملة المحلية. وفي صنعاء تقدر نسبة من يعيشون في مساكن بالإيجار بـ 75 في المائة، وفقًا لإحصاءات غير رسمية.

وعلى الرغم من التوسع العمراني الذي تشهده مدن اليمن، وهو التوسع الذي صنعته أموال اقتصاد الحرب، وفقًا للباحث اليمني أنيس مانع، فإن الزيادة المهولة في أعداد البنايات في لم تساهم في تخفيف أزمة السكن، لأن هذه البنايات صممت وأعدت للأثرياء، ويتم تأجيرها بمبالغ خيالية لا يقدر عليها غالبية السكان، أو تترك خاوية.

ويتبع ملاك المساكن حيلًا كثيرة لطرد المستأجرين، فقد يزعمون أنهم بصدد بيع المنازل أو الحاجة لها لإسكان عائلات أبنائهم أو أقاربهم أو الرغبة في ترميمها وتجديدها، كما أنهم يؤجرون منازلهم من دون عقود مكتوبة، وإذا ما تم التأجير بعقد مكتوب يتم التجديد بعد انتهاء المدة الإيجارية دون عقد.

ويضيف مانع أن أزمة السكن في صنعاء وغيرها من مدن اليمن تفاقمت منذ وصول نازحي الحديدة، وأصبح الحصول على شقة من غرفتين أشبه بالمستحيل، ما يجعل المستأجر أمام خيارات صعبة، ويستغل غالبية الملاك الوضع لطلب إيجار عام كامل أو ستة أشهر مقدمًا، إلى جانب مبلغ الضمان الذي يساوي إيجار شهر على الأقل وتكليف المستأجر بدفع أجور السماسرة.

وتعاني مدينة الحديدة من نقص كبير في الخدمات، ويعد انقطاع الكهرباء وشحة المياه من أشد مظاهر معاناة السكان فيها، ولكونها تقع على الساحل الغربي للبلاد المعروف بارتفاع درجات الحرارة والرطوبة إلى مستويات كبيرة، فإن نقص الكهرباء والمياه يجعل الحياة أكثر صعوبة فيها من غيرها من المدن.

ويقول عبد الله الوتيري إن الحديدة أصبحت طاردة للسكان منذ عام 2015، وتحديدًا عندما انقطعت الكهرباء عن عموم البلاد بفعل الحرب الحوثية، وكانت الحديدة من أكثر المدن تأثرًا بذلك، وعلى الرغم من أن الحرب لم تصل إليها إلا بعد ثلاثة أعوام، فإن النزوح منها بدأ في أول صيف انقطعت فيه الكهرباء.

وبحسب الوتيري، وهو موظف عمومي، عاد الكثير من سكان الحديدة إلى الأرياف التي كانوا قدموا منها، والكثير منهم اضطر إلى إخلاء مسكنه وبيع أثاثه، وتفاقم الأمر أكثر في صيف عام 2018 عندما اقتربت القوات المؤيدة للحكومة الشرعية من المدينة وتمكنت من تحرير الضواحي والأجزاء الجنوبية والشرقية منها.

وأجبرت المواجهات العسكرية والإجراءات الحوثية المتمثلة باتخاذ السكان دروعًا بشرية، غالبية الأهالي على النزوح باتجاه محافظات مجاورة أو بعيدة، حيث نزح عشرات الآلاف باتجاه محافظات حجة وصنعاء وإب، بينما اتجه كثيرون إلى محافظات تعز وعدن، وتسبب هؤلاء النازحون في ارتفاع الإيجارات في المحافظات التي وصلوا إليها.

وعلى الرغم من ذلك، يؤكد الناشط الاجتماعي عبد الرحيم رامي أن الحديدة هي الأخرى شهدت ارتفاعًا تصل نسبته في بعض الأحيان إلى أكثر من 100 في المائة، لكن الزيادات الكبيرة تحدث عند استئجار سكن جديد، في حين لم يتمكن ملاك المساكن من فرض زيادات كبيرة على المستأجرين الذين فضلوا البقاء وعدم الانتقال.

ويقع متوسط إيجار الشقق في الحديدة ما بين 50 و70 ألف ريال، وهو متوسط مقارب لمتوسط الإيجارات في صنعاء.
أما مدينة إب (193 كيلومترا جنوب صنعاء) فقد استقبلت منذ بداية الحرب نازحين من مدينة تعز التي حاصرها الانقلابيون الحوثيون، كما استقبلت في صيف 2018 نازحين من مدينة الحديدة بسبب المعارك العسكرية فيها، لترتفع الإيجارات فيها بشكل غير مسبوق، على الرغم من كونها مدينة ذات طابع ريفي زراعي.

وشهدت إب ارتفاعًا مهولًا في الإيجارات، وصل إلى ما يعادل 200 في المائة، بحسب ما ذكره فؤاد ثابت الذي يرى أن هذا الارتفاع المهول لا يعود سببه إلى النزوح فقط، بل وإلى ممارسات ميليشيات الحوثي التي استهدفت مدينة إب بأعمال النهب والجبايات.

ويذهب ثابت، وهو اسم مستعار لمهندس وناشط سياسي، إلى أن جماعة الحوثي تسببت في خوف أهالي المحافظة من الفقر والفاقة ومن ضياع ممتلكاتهم وثرواتهم، ما أدى بهم إلى محاولة الكسب السريع دون اعتبار لأضرار ذلك على قيم الترابط والتكافل في مجتمع ريفي زراعي.
ويشير إلى أن عوامل مثل غلاء المعيشة ونهب الأراضي والعقارات وانتشار الجريمة وتكوين العصابات في إب، ساهمت جميعًا، وبشكل غير مباشر، إلى جانب موجات النازحين، في رفع الإيجارات بشكل كبير، حيث يسعى أصحاب العقارات إلى تأمين أنفسهم من خلال الكسب السريع.
وتعد هذه الأزمة المعقدة في غلاء المساكن في اليمن من أكبر التحديات التي تواجه السكان، لا سيما الموظفين الذين فقدوا رواتبهم، كما هو الحال مع نديم محمد وزوجته، ومثلهما عشرات الآلاف من العائلات في صنعاء وبقية المدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى