حرب غزة.. والعرب

> أمريكا والغرب وبينهما إسرائيل أقوياء بقدر ما نضعف نحن أنفسنا بأنفسنا كعرب، وعبارة كهذه لا يراد بها -حاشا لله- الشعوب العربية بأي حال من الأحوال، لكن المراد بها النظم السياسية والقادة العرب على وجه الخصوص.

الذين كأنهم ما قرأوا ما قاله المتنبي قبل ألف عام:

من يهُن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميت إيلامُ

وقريب جدًا من العين و الذاكرة أحداث عظام مرغت القوى المستضعفة في الأرض أنوف الاستقواء العالمي الأمريكي تحديدًا، مرغته في الوحل فعلًا لا مجازًا، وبحرب أنفاق كالتي نسمع حسيسها وهي تفور في غزة العز والكرامة هذه الأيام. حيث بلغت التراجيديا ذروتها في هروب السفير الأمريكي في سايجون عاصمة الشمال الفيتنامي، من على سطح السفارة الأمريكية والبلل يغطي سرواله، أقلته طائرة هليكوبتر وهو يرتعد من الخوف، تاركًا وجوهًا كالحة وعيونًا زائغة، من العملاء الفيتناميين كمكافأة نهاية خدمة لهم.

وفي قريب الزمان رأينا مشهدًا مماثلًا في أفغانستان وربما أسوأ، بعد احتلال أمريكي لها دام عقدين من الزمن، وكان غرضه تصفير الثروات غير المعلن عنها في باطن أرض أفغانستان. ثم سلمت أمريكا أفغانستان لطالبان.

هناك أكثر من (أبي رقال) عربي عاد ليحتسب نفسه عزيزًا بمواقفه الخانعة لدى أمريكا وما هو بعزيز أبدًا. لأن أمريكا والغرب عمومًا لديهم استراتيجية قائمة، وضع أسسها جهابذة الفكر في الصهيونية العالمية، أمثال المدفون برنارد لويس وسايرز فانس وبريجينسكي وآخرين، هدفها تفتيت ما فتته سايكس/بيكو قبل مائة عام وتقديم المنطقة منهكة من الاحتراب الداخلي والفتن طائفيًا ودينيًا وقوميات ومليشيات وكدول فاشلة وسياسات خانعة، وعلى طبق من ذهب لإسرائيل، لتكون هي وحدها قطب الرحى وصاحبة القدح المعلى والتي ستمارس دور (العراب) في المنطقة بكل أريحية.

لقد صدق البعض منا هذا الهراء وتحلقوا حول العم سام، مصدقين أن طريق السلامة كسب رضى واشنطن وإسرائيل وتركوا أطفال غزة ونساءها وشيوخها نهبًا لجهنم الملعونة التي يصبها عدو صهيوني جبان من الطائرات على المساكن والمستشفيات والمدارس وبالمدفعية من وراء التحصينات، كما كانوا يفعلون في خيبر عندما ظنوا أن حصونهم مانعتهم بالتوصيف الإلهي المحكم في القرآن الكريم. إن أمريكا والغرب وإسرائيل، وأقصد بذلك النظام الإمبريالي برمته،

يعيش أزمته وربما أزمنته الأخيرة، في ظل تنامي القوى العالمية الجديدة، وعلى رأسها الصين وروسيا وهذا ما كان يجب أن تتنبه إليه الدول العربية، لترص صفوفها ضمن هذا الخط المناهض لحرب الإبادة في غزة.

وهناك يقظة عالمية للشعوب الحرة داخل معاقل الإمبريالية المتوحشة من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإلى معقل (الطاعون): أمريكا كما وصفها الشاعر العملاق محمود درويش.

و المؤسف أن مواقف بعض العرب، و لا أريد أن أقول الأعراب، لا ترقى إلى شجاعة بعض اليهود المناهضين لإسرائيل، ناهيك عن مواقف إيرلندا وهولندا وتشيلي وكوبا وفنزويلا وجنوب أفريقيا وبوليفيا... الخ.

أما شعوب بلدان الحرب على غزة، وتحديدًا بريطانيا صاحب المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، وفرنسا الملطخة بدماء ثمانية مليون جزائري، وألمانيا التي أحرقت اليهود وجاءت اليوم لتمثل دور الدولة الحمل الوديع، الذي يدافع عن السامية ويشجع هيلوكست جديد على شعب فلسطين البطل.

ثم كبيرهم الذي علمهم السحر، أمريكا المحكومة بدولة الظل الماسونية الصهيونية، فهي و دولة الكيان الصهيوني في جراب واحد، ليس كجراب الكنغر، لأن هذا صنعة ربانية تتراءى فيها قدرة الله، وإنما هو جراب ثنائي قذر، منذ أن أنشئت أمريكا بمساعدة اليهود قبل مائتين ونصف من السنين، وأبادت في فترة قياسية 48 مليونًا من سكان البلاد الأصليين من الهنود الحمر.

أيها المطبعون العرب:

ليس عدونا قويًا لحد أن نسير في ظله وكأن قوى خارقة تسهر عليه وتحرسه وقد رأيناه يترنح أمام مئات معدودة من المقاومين الفلسطينيين الأبطال يوم 7 أكتوبر الميمون، تمامًا مثلما جرعه الجيش المصري البطل مرارة الهزيمة في 6 أكتوبر 1973م، فكيف نعطيه هذه الهالة المضللة من الأكاذيب كتبشير المنطقة بالإبراهيمية الجديدة كدين، وكأننا نسينا أن الإسلام الحنيف هو ديننا الخاتم لكل الرسالات. أو كأننا نسينا أن هؤلاء هم قتلة الأنبياء، إن كان هؤلاء العنصريون القتلة هم يهود أصلًا، ألا نتذكر ما قالوه لموسى (عليه السلام): (( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)) إنهم يعبثون بكم، ولن تكونوا سوى أيتام على موائد اللئام.

نحيي دور مصر العربية وهي على خط النار الأول مدافعة عن فلسطين منذ سبعين عامًا. ولسنا بغافلين لكي ندرك أن المخطط بأبعاده الاستراتيجية يتجه لتركيع مصر أولًا وأخيرًا، وقد سمعنا التصريحات الفجة لسفيرة أمريكا في القاهرة وهي تتوعد مصر بالتجويع وحثها على إفراغ أهل غزة في سيناء، وهو مخطط سوف يسقط ويتحطم على صخرة جيش مصر، الذي هو في رباط إلى يوم الدين وشعبها البطل وإلى جانب مصر الجزائر والكويت وغيرها من الأنظمة العربية التي تأبى الهرولة نحو إسرائيل. أما الشعوب -وإن كانت مغلوبة على أمرها من أنظمتها- فإنها على ذات الطريق طريق الكرامة العربية أو الاستشهاد دون ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى