الغارديان: حرب غزة تزيد من التظلمات الشعبية في مصر.. وتهز العلاقة بين الأنظمة والشعوب

> «الأيام» القدس العربي:

> نشرت صحيفة “الغارديان” مقال رأي للمحاضرة بالسياسة المعاصرة في الشرق الأوسط، في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (سواس) ريم أبو الفضل قالت فيه إن الحرب في غزة زادت من التظلمات الشعبية للمصريين سواء فيما يتعلق بفلسطين أو داخل الوطن.

وقد دفعت صور الإبادة التي تكشفت أمام أعينهم، المصريين إلى التحرك من مقاطعة المحلات والعلامات التجارية الأجنبية إلى التظاهرات.

وقالت أبو الفضل إن الإبادة الإسرائيلية الجارية في غزة قد هزت العلاقات ما بين الدول والمواطنين في الشرق الأوسط. وفي مصر وضعت الأحداث العلاقات المريحة والغامضة بين النظام المصري وإسرائيل في دائرة الضوء وأخرجت ملايين المصريين من قوقعتهم الداخلية التي تركز على الهموم اليومية من زيادة الأسعار وانتشار البطالة. وهم يواجهون اليوم خططا إسرائيلية لإعادة استعمار قطاع غزة وإجبار الفلسطينيين على الرحيل جنوبا إلى سيناء.

وتشير الأكاديمية إلى رفض المصريين دولة ومواطنين وبشكل قوي لهذا وإن كان الأمر متعلقا بأسباب مختلفة. وانعكست هذه الخلافات من خلال الهوة التي انفتحت بين السكان والنظام عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 1978، حيث توسعها الأحداث اليوم أكثر.

وأشارت الكاتبة لعلاقة مصر مع فلسطين، فللمصريين تاريخ طويل في دعم القضية الفلسطينية، في سياق الهوية القومية العربية المشتركة.

 وعارض السكان المشروع الصهيوني في الثلاثينات من القرن الماضي وقاتل الجيش المصري في حرب فلسطين عام 1948، وفي الخمسينات من القرن الماضي قدم الرئيس جمال عبد الناصر الدعم لفلسطين والفلسطينيين وحقق انتصارا في العدوان الثلاثي الذي شنته فرنسا وبريطانيا وإسرائيل ضد مصر في 1956 لكنه تكبد هزيمة في 1967، وحقق خليفته أنور السادات انتصارا في 1973، وعندما اجتازت القوات المصرية قناة السويس لتحرير سيناء، ولم تستطيع استعادة توازنها إلا بعد الجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة لتأمين السلاح لها. ومع ذلك، وجه السادات لاحقا الدولة المصرية باتجاه “التطبيع” مع إسرائيل، وحصل المواطنون على محفزات أمريكية على شكل مساعدات عوضا عن الاحتجاج، وما عرف لاحقا بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

وتذكر أبو الفضل أن الفلسطينيين فقدوا مركزيتهم في الخطاب المصري العام، بل وتم تشويههم وتحميلهم مسؤولية سوء الحظ الذي يواجه المصريين. وعلى مدى 40 عاما، عمل النظام المصري على تأكيد الوجود الإسرائيلي كحقيقة قائمة. وكان مبرر السادات هو أن الولايات المتحدة تملك 99% من الأوراق في الشرق الأوسط ومن العبث والحالة هذه المقاومة. وترى أبو الفضل أن الهدف كان تفكيك العلاقة السياسية والاجتماعية والثقافية الحميمة التي نشأت بين المصريين والفلسطينيين والذي اتحدوا في مقاومة الاستعمار البريطاني، وقبل إنشاء إسرائيل.

 ولم يكن هذا مشروعا ناجحا، لأن التظاهرات دعما للقضية الفلسطينية استمرت. وسمحت القيادة الذكية لحسني مبارك، بالتظاهر كوسيلة لحرف النظر عن المصاعب المحلية، إلا أنها عبدت الطريق وتدريجيا للربيع العربي في 2011 والذي أطاح به. وفي ظل قيادة عبد الفتاح السيسي، تم حظر التجمعات العامة ومنع المصريون من التعبير عن التعاطف مع الفلسطينيين، في وقت طلب منهم التركيز على ملاحقة مصالحهم اليومية. وهو ما دفع البعض للتعليق وبدهاء أن مصر أصبحت شاذة عن الإقليم، بدون تظاهرات تضامن أثناء الانتفاضة الفلسطينية في أيار/مايو 2021، لكن ليس في تشرين الأول/أكتوبر لأن العنف الإسرائيلي الذي لا يخشى العقاب حفز ردا شعبيا في مصر كان من الصعب احتواؤه.

وتقول أبو الفضل إن المصريين نظروا إلى أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر بأن الفلسطينيين خرقوا حصارهم الذي جاء وسط الأخبار المستمرة عن الانتهاكات والاعتقالات وسرقة الأراضي في القدس والضفة الغربية وغزة.

 وتعلق أن المصريين شعروا بالعجز بعد ذلك من القصف الإسرائيلي على غزة واستهداف معبر رفح على الحدود مع مصر وعرقلة قوافل المساعدات ومنعها من الوصول إلى القطاع. ومع استمرار تدفق الصور المدمرة، زاد غضب المصريين وحزنهم، وتحولت المساجد إلى مكان للصلاة على الموتى ومساحات للتعبير الجماعي عن الرعب مما يتكشف أمام العيون. وتحولت الموجة القوية من التعاطف إلى رغبة بالتحرك للدعم، ففي ظل الجو السياسي الخانق بمصر، وجد الكثير من المصريين سلاح المقاطعة وسيلة لاستهداف العلاقات الأجنبية المعروفة بدعمها لإسرائيل. وكانت وحشية إسرائيل والدعم الغربي المتحمس لها في غزة بمثابة دعوة يقظة للشباب المصري.

 وتضيف الكاتبة أن بعض الأساطير تحطمت بين عشية وضحايا، حيث راقب ملايين المصريين الدعم لإسرائيل ينهال من واشنطن ولندن وبروكسل. وبدأ العاملون في المنظمات غير الحكومية بمناقشة بدائل عن التمويل الأجنبي والتعبير عن عدم ارتياحهم لاعتمادهم عليه.

وترى الأكاديمية أن نفس الأمر ينسحب على فهم المصريين لتواطؤ القوى الإقليمية، وبخاصة الدول الموقعة على اتفاقيات إبراهيم مثل الإمارات، والسعودية التي ترددت الأخبار أنها تحضر للتطبيع. وقاطع فنانون مصريون معرضا للفن عقد بالعاصمة السعودية الرياض، وتعرض من شاركوا لنقد شديد. وبدأت نقابة الصحافيين المصريين بتنظيم مناسبات هذا الشهر تقدم فيها أغاني المقاومة من حرب السويس في 1956. وسيرت “قافلة الضمير العالمي” والتي دعت المتطوعين حول العالم الانضمام لها والسير نحو رفح للضغط على إسرائيل كي تسمح بالمزيد من المساعدات والمطالبة بوقف الحرب.

وتستدرك أنه لا حاجة للتذكير هنا أن النظام والرأي العام يعارضان تحويل سيناء لمسرح جديد للتطهير العرقي الفلسطيني. فلدى النظام المحاط بالتعبئة الشعبية والإحباط مخاوفه، من أن إسرائيل تريد تصدير الأزمة إلى مصر.

وتأكدت هذه المخاوف عبر ورقة مسربة من المخابرات الإسرائيلية في 13 تشرين الأول/ أكتوبر تقترح نقل الفلسطينيين إلى صحراء سيناء. وخطة كهذه تعني مخيمات لاجئين وتعريض مصر لهجمات انتقامية إسرائيلية بذريعة وجود مسلحين وسط اللاجئين. وحاولت إسرائيل التي تحظى بدعم أمريكي واسع الضغط على مصر، وكان ردها تنظيم السيسي قمة عربية وتكراره الرفض.

ومن المفارقة، تقول أبو الفضل، أن النظام عرض فكرة معارضة الخطة من خلال الدعم الشعبي، ففي 18 تشرين الأول/أكتوبر قال السيسي إن الملايين سيتظاهرون ضد ترحيل الفلسطينيين، وبدأت منصات التواصل الاجتماعي تنشر بعد ذلك مناطق مخصصة للتجمع. وفكرة السيسي من تعبئة الجماهير هي امتصاص الغضب الشعبي وإرسال رسالة لأمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل أنه لا يستطيع قبول خطة سيناء بدون المخاطرة بمنصبه.

وتعلق أيضا أنه كما في الكثير من الاحتجاجات، فهناك من المشاركين من يخرجون عن النص أو يحاولون السير نحو ميدان التحرير وهتف بعضهم شعارات ثورة 20111، “خبز، حرية، عدالة اجتماعية” و”هذه تظاهرة حقيقية وليست تفويضا لأحد”. وتم تحصين ميدان التحرير بالدبابات واعتقلت الشرطة أكثر من 100 متظاهر، لكن شيخ الأزهر، الشيخ أحمد الطيب، أثنى على المقاومة الفلسطينية ودعا مصر لإعادة النظر في علاقاتها مع الغرب.

وتقول أبو الفضل إن شعبية فلسطين كانت قوية بطريقة سخرها النظام، رغم سجله، من أجل مصالحه المحلية والدبلوماسية، لكن يجب أن تظل في طليعة التفكير، إما من خلال الاحتواء أو القمع وإلا تحولت فلسطين لاحتجاج شعبي كما حصل في الماضي. وربما اقتضى هذا سنوات، نظرا لغياب المعارضة المنظمة، ولكن هناك على ما يبدو أن دروس اليوم تزيد من التظلمات الشعبية، وبحسب صديق فإن المصريين يعيدون النظر بأنفسهم بعد سنوات من هزيمة ما بعد الثورة: نحن كشخص يقف على قدميه بعدما تلقى ضربة قوية”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى