كيف يزعزع دعم أمريكا لإسرائيل استقرار الشرق الأوسط؟

> أحمد شهاب:

> ​لم يكن قرار حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر يمينية في إسرائيل ذكيا عندما شنت حملة عسكرية على غزة لا سقف لها إنسانيّا وأخلاقيّا، ولم تكن إدارة جو بايدن أفضل حالا عندما قررت تقديم الدعم الكامل لإبادة الشعب الفلسطيني، وتجاوز كل القوانين والمعاهدات الدولية على مرأى ومسمع من العالم، فما حدث بعثر الأحلام الأميركية في الشرق الأوسط.

إذ لم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن استكمال مشروعها الشرق أوسطي على أكمل وجه ممكن. فقطار التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية سار بقوة في الأيام الأخيرة التي سبقت الطوفان، والتفاهمات حول مشروع الممر الهندي الأوروبي في مواجهة واحتواء النفوذ الصيني وصلت إلى أعلى درجاتها، والمستوطنات الإسرائيلية تتوسع في الضفة الغربية دون وجود رادع.

وقبل ذلك أُشيع جو من الارتياح الأميركي جراء انخفاض التوتر مع جمهورية إيران الإسلامية، ودخول الأخيرة في تفاهمات مع الولايات المتحدة حول مديات البرنامج النووي الإيراني، وتحرير 6 مليارات دولار من أموالها المجمدة، وهو ما قرأته الإدارة الأميركية بوصفه إشارات إيجابية تدل على أن الأمور في الشرق الأوسط تسير على ما يرام.

ولكن لم يكتمل الحلم الأميركي، فقد تبخر بعد أيام قليلة من شن الحرب العدوانية على غزة برعاية أميركية كاملة، الأمر الذي ساهم في إعادة انبعاث القضية الفلسطينية من جديد إلى دائرة الاهتمام العالمي، باعتبارها القضية المحورية التي تجتمع عليها جميع شعوب المنطقة، بل وشعوب العالم الحر.

ولم يعد من السهل أن تتجاوز حكومات الدول العربية الحق الفلسطيني حتى وإن حملت في جعبتها موقفا مناهضا لحماس. فالحق الفلسطيني لا يحتاج إلى شرح وإطناب، وحجم الجرائم تدك الضمير الإنساني بشدة، وتكشف عوار النظام الدولي، وزخم التعاطف والتفاعل الشعبي يُجبر الحكومات على إعادة حساباتها من جديد.

خلال الأسابيع الفائتة تبلورت مواقف المحاور الرئيسية في الإقليم بشكل كامل. فالمحور العربي أثبت أنه عاجز عن اتخاذ أي خطوة عملية في رسم مستقبل الصراع السياسي للمنطقة، وأنه بصورة عامة خارج منظومة الفعل وردة الفعل المتناسبة مع حجم الحدث، وباستثناء بعض الأدوار التفاوضية والإنسانية فإن هذا المحور ظل يحوم حول دائرة التنديد والاستنكار.

أما المحور الثاني فهو المحور الغربي وتحديدا إسرائيل وحلفاءها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، فقد وقع هذا المحور في المحذور حيث كشفت سياسات الإبادة الجماعية في غزة أنهم اليد الخفية التي تقف خلف كل جماعات العنف والتطرف التي انتشرت في المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، وتحديدا تشابه جرائم الحرب في غزة مع جرائم داعش والجماعات المتطرفة.

كما تتماثل سياسة الإبادة للطفولة والإنسانية التي ترتكبها إسرائيل مع سياسة القتل الجماعي التي كان يقوم بها داعش، وكلا الطرفين تجاهلا مجموعة القواعد الدولية التي تحكم النزاع المسلح، ولم يردعهما قانون دولي ولا أخلاقي ولا إنساني، بما يثبت أن اليد التي تحركهما واحدة، أو أن منبع جريمة الإبادة واحد.

أما المحور الثالث فهو محور المقاومة الذي تمثله إيران وحماس وحزب الله، بالإضافة إلى فصائل المقاومة في العراق واليمن، ويبدو لي أن هذا المحور نجح إلى حد ما في التماهي مع الضمير العربي والإسلامي المتعاطف مع غزة، وأصبحت السياسة الإيرانية في الشأن الفلسطيني جزءا لا يتجزأ من السياسة الإقليمية. فحتى الذين يخالفون سياسات إيران يجدون أنفسهم في النهاية معها على السياقين نفسهما؛ السياق السياسي والسياق الأمني الإقليمي.

فقد تسارعت الاتصالات واللقاءات بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمرة الأولى منذ إعادة العلاقات بين البلدين العام الماضي. وما فعلته هذه اللقاءات كان مهما للغاية، وأبرزه تهميش فكرة المحور العربي – الإسرائيلي الذي سعت الولايات المتحدة إلى تحقيقه خلال السنوات الأخيرة، واستبدل بالحديث عن ضرورة إيجاد محاور جديدة أكثر أمنا لدول المنطقة.

سياسيا، لم يكن ما يعرف بمحور المقاومة أكثر انتصارا مما هو عليه اليوم. فالمشروع الغربي في المنطقة لم يعد بقوته المعهودة، وتجاوزات إسرائيل للقوانين الدولية والإنسانية دون رادع وضعت الولايات المتحدة في موقف سيّئ للغاية، وربما ينتهي ذلك لاحقا إلى تغير قناعات قادة المنطقة بجدوى ارتباطهم باتفاقات أمنية مع دولة عاجزة عن ضبط حليفها الإستراتيجي.

لم يعد التحالف مع الولايات المتحدة جاذبا لدول المنطقة بالقدر الكافي، لاسيما وأنها أصبحت مصدرا لخلق الأزمات والفشل في إدارتها. ويبدو لي أنه حان الوقت لأن تفكر هذه الدول جديا في البحث عن شراكة أمنية وسياسية إستراتيجية جديدة تزيح كل المشاريع السياسية والمغامرات العسكرية الفاشلة التي جثمت على صدر المنطقة..

باحث في شؤون التنمية السياسية/ العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى