> «الأيام» القدس العربي :

الحادثة الصعبة التي قتل فيها 9 ضباط وجنود من لواء غولاني ومن وحدة الإنقاذ 669 في الشجاعية بغزة مساء الثلاثاء، تدل على وضع شدة الحرب في القطاع. بعد مرور أكثر من شهر على بداية الحرب، وبعد حوالي شهر ونصف منذ بداية العملية البرية، فإن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه الإعلان عن سيطرته على شمال قطاع غزة.

إسرائيل أضرت بحماس بشكل قاس، وتغلبت عليها في كل مكان اصطدمت فيه قوة عسكرية بمخربين مسلحين، ولكن لم يتم تطهير كل الفضاء من المقاومة وما زال يشكل خطراً كبيراً. الشجاعية بشكل خاص، رمز للمقاومة الفلسطينية. فمثلما في معارك سابقة في القطاع، تركز حماس فيها قوات كبيرة وتنجح في استخدام منظومة مرتبة جداً بين حين وآخر، وتجبي الثمن بالمصابين من الجيش الإسرائيلي في كل تقدم للعملية.

بعد الحادثة التي تعتبر الثانية من حيث خطورتها على الجيش منذ بداية العملية (سبقتها كارثة “النمر” في جفعاتي التي قتل فيها 11 مقاتلاً)، سارع قادة حماس في الخارج إلى الإعلان عن انتصار المنظمة. في إسرائيل ثار نقاش عام يقظ حول طبيعة استخدام القوات والأخطار التي تواجه الجنود. يبرز إزاء الأنباء الصعبة قلق متزايد لعائلات الجنود على أمن أبنائهم. ولكن حتى الآن، هذه الحادثة لا تدل على انعطافة في القتال.

كبار قادة الجيش في قيادة المنطقة الجنوبية ظهروا أمس مصممين على مواصلة العمليات في الشجاعية إلى جانب الهجمات على مستوى الفرق في جباليا في شمال القطاع وفي خانيونس جنوبه. يبدو أنه إذا ما اتخذ قرار بتغيير طبيعة عمل قوات الجيش في القطاع، فلن يكون نتيجة لتحدي حماس، بل جراء الضغط الذي بدأت تستخدمه الإدارة الأمريكية.

المواجهات الجارية في الشجاعية حدثت أثناء عملية تمشيط للواء غولاني في القصبة، وهي المركز القديم والمكتظ في الحي. دخلت قوة راجلة صغيرة من اللواء إلى أحد المباني وتمت مهاجمتها بالنار والقنابل والعبوات الناسفة ووقعت في ضائقة. وبسبب انقطاع الاتصال مع الضابط ومع الجنود، ثار خوف في اللواء بأنها محاولة لاختطاف جنود إلى نفق. قوة كبيرة تم استدعاؤها وقامت بتطويق المبنى، ووصل قادة كبار إلى المكان للتأكد من أن العمليات تجري بشكل فعال ومن أجل تجنب وضع إطلاق نار متبادل بين القوات الكثيفة.

لكن محاولة الاقتحام والإنقاذ تعقدت، والقوات الجديدة التي وصلت تمت مهاجمتها أيضاً بصواريخ آر.بي.جي، وتم تفعيل عبوات ناسفة ضدها. من غير المعروف للجيش الإسرائيلي إذا كانت هناك إصابات في صفوف رجال حماس في هذه المواجهة. قتل في هذه الحادثة 6 ضباط و3 جنود. الضباط شغلوا مناصب رئيسية: قائد الكتيبة 13 في غولاني، وقائد لواء سابق عمل كضابط كبير في قيادة اللواء، اثنان من قادة الفصائل في لواء، وقائد فصيل في وحدة 669 وقائد حظيرة في “غولاني”. الثمن الدموي الذي يدفعه الجيش الإسرائيلي في القطاع يشمل أيضاً عدداً كبيراً من كبار الضباط. قتل حتى الآن في المعارك بهجوم حماس في 7 أكتوبر وفي العملية البرية، ليس أقل من 4 برتبة عقيد و6 برتبة مقدم.

كمين حماس يذكر بأحداث شديدة سابقة للجيش الإسرائيلي في قتال مشابه، حتى لو لم تجرب إسرائيل حرباً طويلة في منطقة مأهولة ومكتظة جداً. أحداث مشابهة كانت في مخيم جنين للاجئين في عملية “الدرع الواقي” في 2002 (13 قتيلاً في لواء الاحتياط 5) وفي بنت جبيل في حرب لبنان الثانية في 2006 (9 قتلى في غولاني)، وفي كارثة حاملة الجنود المدرعة في الشجاعية في عملية “الجرف الصامد” في 2014 (7 قتلى).

القاسم المشترك بين هذه العمليات هو أن العدو استغل نقطة الضعف في الجيش الإسرائيلي في منطقة مأهولة وألغى الأفضلية النسبية التي كان يتعين على القوات الإسرائيلية استغلالها، وتسبب بإصابات كثيرة نسبياً عند المواجهة من مسافة قصيرة وبعد ذلك انسحب.

أمس ثار نقاش حول طبيعة استخدام القوات في القصبة في الشجاعية. في الحرب الحالية، يستخدم الجيش الإسرائيلي النار بحجم كبير – المدفعية وقذائف الدبابات والقصف الجوي، شمل الإطلاق من الطائرات المسيرة والمروحيات والطائرات القتالية. عدد كبير من القيود التي تعلقت في السابق باستخدام الذخيرة في منطقة مأهولة ومكتظة تم تقليصها بشكل كبير في هذه المرة بتأثير من أحداث 7 أكتوبر، ومن أجل تقليل الأخطار التي تهدد القوات المهاجمة. حتى الآن تمت مهاجمة القوة الأولى عندما دخلت لتمشيط مبنى لم يتضرر بشكل كبير قبل عملية التمشيط.

النتيجة القاسية للحادثة أثارت علامات تساؤل في أوساط عائلات الجنود وأدت مثلما في السابق أيضاً إلى غضب اليمين بذريعة أن الجيش الإسرائيلي، سواء لاعتبارات القانون الدولي أو خوفاً من الأمريكيين، يخشى على حياة مواطني العدو، وبذلك يعرض الجنود للخطر.

الصدمة من الحادثة تضاف إلى الأسئلة التي أثارتها عدة أفلام فيديو نشرها المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي من عدد من الساحات في القطاع مؤخراً، والتي يظهر فيها تبادل لإطلاق النار من مسافة قصيرة جداً، أحياناً في مبان وبيوت، بين الجنود ورجال حماس.

وقال الجيش إنه لا يوجد تقليص للقصف من الجو في القطاع، وإنه لا يمكن تسوية كل مبنى مسبقاً قبل دخول القوات من أجل تمشيطه للبحث عن فتحات الأنفاق وسلاح وعبوات ناسفة. ورغم وجود انخفاض ما في عدد المصابين المدنيين في الأيام الأخيرة، فإن الجيش الإسرائيلي ينفي أنه قد قلص حجم إطلاق النار بناء على طلب من الأمريكيين. وليس سراً أن إسرائيل قد استخدمت كمية كبيرة جداً من النار في القطاع، من الجو والبحر، وأنه كان المطلوب إدارة حذرة لإطلاق النار.

ساعة الرمل الأمريكية

يصل إلى إسرائيل جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي. وفي بداية الأسبوع القادم سيصل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن. كبار شخصيات الإدارة الأمريكية يزورون البلاد بعد أن بدأ الرئيس بتغيير اللهجة تجاه حكومة نتنياهو، ووجه مؤخراً الانتقاد لرئيس الحكومة ولطبيعة قتال الجيش الإسرائيلي.

الرئيس الأمريكي ما زال يتحفظ من وقف إطلاق النار، ولم يطلب علناً من إسرائيل وقف هجماتها في القطاع بسبب تماهيه الكبير مع المبررات الأخلاقية والسياسية لإسرائيل في الحرب ضد حماس. ولكن حسب جهات رفيعة في الجيش الإسرائيلي، يبدو أن واشنطن بدأت تفقد بالتدريج الصبر تجاه إسرائيل في هذه المرة، مقارنة مع تشخيصات لم تتحقق بعد.

يمكن أن يكون المعنى توقعاً أمريكياً لتفاهمات جديدة حول تغيير مضمون العملية مع وضع جدول زمني للتغيير. ربما يكون سوليفان هو السنونو الأولى التي ستجلب الرسالة قبل ضغط أشد لاحقاً.

يمكن أن يحدث التغيير في كانون الثاني، ويمكن أن يشمل تقليص القوات التي توجد في القطاع، وانسحاب إسرائيل من معظم أجزاء القطاع والانتقال إلى صيغة الاقتحامات لمعاقل حماس المتبقية.

مثلما كان واضحاً من البداية منذ بداية الحرب، فإن الطلب الأمريكي للتغيير (إذا جاء حقاً كإنذار) لا يتساوق مع الوعود السخية التي نثرتها الحكومة للجمهور حول الإنجازات التي ستحققها الحرب.

إذا كان ما بقي هو حوالي شهر للعملية بالصيغة الحالية، فسيجد الجيش الإسرائيلي والحكومة صعوبة في عرض إنجازات واضحة مقارنة مع أهداف الحرب التي تم وضعها في البداية – القضاء على قدرة حماس العسكرية والتنظيمية وإطلاق سراح جميع المخطوفين لديها. من المرجح أن ما سيتم تحقيقه هو تقليص قدرة حماس إلى جانب شروط جيدة أفضل للتفاوض على إطلاق سراح المخطوفين الذين بقوا لدى حماس. ولكن حتى لو كان الجيش على حق، وبدا أنه يمكن تحقيق الأهداف فستحتاج إلى أشهر أخرى من الاقتحامات المنهجية من أجل تحقيقها.

عاموس هرئيل

هآرتس