> أحمد الأغبري:
ماذا يعني أن تُقدّم خلاصة عمرك شعرًا وطنيًا وعاطفيًا متدفقا بفرائد جمالية في صور مدهشة؛ وهو ما يصبح من خلاله اسمك كبيرًا على امتداد اليمن باعتبارك أحد أبرز من أسهم في تشكيل الوجدان الجمعي للبلد لأكثر من خمسة عقود، وعند تكالب الأمراض على شيخوختك لا تجد أحدًا، وبل عند تشييع جثمانك لا يحضر إلا القليل ؛ وكأنك لست ذلك الشاعر الذي غنى كلماته أبرز أصوات الأغنية اليمنية من مختلف ألوانها؟!
لقد قدّم التشييع البسيط للشاعر اليمني البارز أحمد الجابري، الأحد، صورة واضحة للجحود والنكران؛ الذي كرسته الحرب؛ وهو الجحود والنكران بات يتجاوز المؤسسات إلى الأفراد في علاقتهم بالمبدعين؛ ومحبي هؤلاء المبدعين كثير بلا شك، لكنهم في (الوداع الأخير) للجابري كانوا قليل وقليل جدا.
يحصل هذا، وقد كان مرضه حديث منشورات عديدة على منصات التواصل الاجتماعي في الشهور الأخيرة، وعند وفاته (السبت) اشتعلت هذه المنصات تنعيه ، لكن كان التشييع بسيطا؛ لأن من حضره كانوا قليل.
لا يمكن تفسير ما شهدته جنازة الشاعر الجابري في صنعاء، إلا أن اليمن لم يعد بخير…كل شيء أصابته الحرب في مقتل حتى قيم التوديع الأخير.. صارت ذابلة؛ ولم تعد تهز جذع الروح، وتدفع صاحبها للقيام بواجبه تجاه علم كبير من أعلام البلد قبل أن يوارى الثرى؛ و ربما أن أخبار الموت التي تتجاوز مساحة أخبار الحياة في اليمن قد كرست هامشية تشييع المتوفي.
لقد صار البلد يتخلف حتى عن تشييع رموزه المبدعين، ولا يتركهم نهبًا للمرض فقط. لا يمكن قبول العذر حتى من شريحة المثقفين والمبدعين، الذين يدركون معنى فقد مبدع مختلف كالجابري ومعنى الوداع الأخير… ومع ذلك تخلفوا عن توديعه وتركوه يرحل كالغريب!
من غير المستبعد أن تكون الحرب قد أصابت قيم رد الجميل في صميم فاعليتها وتأثيرها الإيجابي في المجتمع، وأصبح الكثير، بفعل ثنائية الحرب والموت التي صارت طاغية … غارقا في التزامات توفير احتياجات الحياة اليومية، وربما أن دوامة همومه الحياة اليومية القاتلة صارت تعجز الكثير عن فعل شيء آخر، لدرجة صار متجاهلاً التزاماته تجاه رهبة الموت والوداع الأخير لمن يعرف.
امتلأت منصات التواصل الاجتماعي في اليمن، أمس السبت، بخبر وفاة الشاعر أحمد الجابري، وكان الجميع ينعي وفاته، ويعتبرها خسارة لا تعوض. الكثير تحدثوا عن معاناته في الشهور الأخيرة من حياته دون أن يلتفت لمعاناته أحد، لكنهم تركوه أيضا يرحل في مشهد لا يليق بها كأحياء، على الأقل رفاقه المبدعين، الذين يبقون منارات للأمل في حياة المجتمعات مهما كانت قسوة الحياة عليهم.
يقول الصحافي والمراسل التلفزيوني، خليل القاهري، عن التشييع البسيط، الذي رافق التوديع الأخير للشاعر الجابري: قبل قليل ووريَ جثمان الشاعر أحمد الجابري الثرى. تخيلوا هذا مشهد تشييعه، نفر قليل من أصدقاء وجيران، كأنه لم يكتب يوماً، ولم يمجّد بلاداً وشعباً، ولم يكن على علاقة بتلك القصائد والأعمال الإبداعية التي ملأت الأرجاء والأسماع والقلوب في آن، ياألله كم هو مؤلم هذا الجحود والنكران. كأن شعباً لم يسمع يوماً، ونخبةً لم تقرأ أبداً، ذهبت إلى ربك أيها الجابري وستبقى خالدة أبياتك التي منها: “أضاعوني وهم أهلي..بلا بيت ولا سندِ/ أعيش العمر مغترباً..وحيد الدرب في بلدي/ توارى الناس من حولي ..ومات الشعر في خلدي”.
رحل الشاعر اليمني أحمد الجابري عن عمر ناهز 87 سنة أمضى جلها في محراب الشعر العامي، وقدّم من خلاله الروائع الغنائية الوطنية والعاطفية وغيرها، واحتفى بالوطن والطبيعة والحب والجمال بمستوى صارت كلماته ايقونات سمعية تتردد على امتداد اليمن؛ نعم إنها كذلك!
كتب الشعر الغنائي الوطني والعاطفي بعدد من اللهجات المحلية، وتعاملت مع أعماله أصوات غنائية من مختلف ألوان الغناء اليمني، في دلالة على خصوصيته وتفرد تجربته في علاقتها بالثقافة الجمعية للبلد.
من أبرز الأغاني التي تعكس عبقرية الشاعر الجابري، وسافرت في جميع أنحاء اليمن، نقف أمام “لمن كل هذي القناديل” و”طائر الأشجان ” وعلى أمسيري” و”عاشق الليل” و”طير أيش بك تشتكي” و” ناقش الحنة” و”خذني معك” و” يا صبايا”… وأغان عديدة كان لها دور فاعل ومؤثر في إثراء العاطفة الوطنية والإنسانية في الوجدان اليمني، كما تجلى من خلالها الجابري مختلفاً في علاقته الوطنية بالوعي الشعبي؛ إذ استطاع، من خلال الشعر العامي، أن يخاطبه ويرتقي بذائقته، ويسهم في التعريف بتراثه.
الجابري من مواليد عام 1936 في مدينة عدن، حيث بدأ تعليمه الأولي هناك، ثم انتقل عام 1953 إلى القاهرة، وأكمل هناك تعليمه الثانوي، ومن ثم تخرج في كلية التجارة في جامعة القاهرة عام 1966، وبعد ذلك انتقل إلى مدينة تعز عام 1972، وعمل في مجال التجارة، وشغل منصب مستشار صحيفة 14 أكتوبر عام 1993م.
يقول الروائي علي المقري في تدوينة على منصة إكس : "رحل اليوم (السبت) أحد أعظم شعراء الأغنية اليمنية بعد مرض وخذلان دام سنوات عانى خلالها الكثير من النكران وعدم الاهتمام. رحل شاعر “لمن كلّ هذي القناديل تضوّي لمن؟” و”على أمسيري” و”شفته ناقش الحنّة” و”أشتي أسافر بلاد لا تعرف إلاّ الحب” و”يا صبايا فوق بير الماء والدنيا غبش”وغيرها من الدرر”.
فيما قال الصحافي والمراسل التلفزيوني، محمد القاضي: "الشاعر أحمد الجابري ، أحد رواد القصيدة الغنائية في اليمن، يغادر دنيانا و فيه و في محبيه غصة للإهمال الذي تعرض له في سنواته الأخيرة من قبل المسؤولين عن هذه البلاد المتشظية؛ سنوات الجدب و الحرب و تجار الحرب ، سنوات الشتات والغربة التي عاشها في غرفة صغيرة في دمنة خدير بتعز، مصارعا المرض و الفاقة و الإهمال ..خَلق الجابري و أبدعت مخيلته أكثر من 200 قصيدة و عمل إبداعي ، و منها قصائد غنائية جميلة غناها أيوب طارش و محمد مرشد ناجي ، محمد سعد عبدالله،، أحمد بن أحمد قاسم، عبدالرب إدريس، والفنان عبدالباسط عبسي، وآخرون”. “غاب الجابري ، لكن مزهرياته خالدة في وجدان الناس؛ تسعدهم وتشيع فيهم الفرح و البهجة .. كم هو موجع أن يموت الجابري وهو في فاقة و حاجة، فيما من أنتجتهم الحرب يلعبون بالملايين”.
من إحدى قصائد الراحل نقتطف هذه الأبيات، وهو ينعي نفسه :
يا خليلي إن دنا الموت مني/ فادفئاني بالقُرب من قبر أمي
حيُث كانت ولا تزال تنادي / من ثرى لحدها ومن قبلُ باسمي
آثرتْ أن تموت والموت حقٌ/ وعلى صدرها من الوجد وسمي
لقد قدّم التشييع البسيط للشاعر اليمني البارز أحمد الجابري، الأحد، صورة واضحة للجحود والنكران؛ الذي كرسته الحرب؛ وهو الجحود والنكران بات يتجاوز المؤسسات إلى الأفراد في علاقتهم بالمبدعين؛ ومحبي هؤلاء المبدعين كثير بلا شك، لكنهم في (الوداع الأخير) للجابري كانوا قليل وقليل جدا.
يحصل هذا، وقد كان مرضه حديث منشورات عديدة على منصات التواصل الاجتماعي في الشهور الأخيرة، وعند وفاته (السبت) اشتعلت هذه المنصات تنعيه ، لكن كان التشييع بسيطا؛ لأن من حضره كانوا قليل.
لا يمكن تفسير ما شهدته جنازة الشاعر الجابري في صنعاء، إلا أن اليمن لم يعد بخير…كل شيء أصابته الحرب في مقتل حتى قيم التوديع الأخير.. صارت ذابلة؛ ولم تعد تهز جذع الروح، وتدفع صاحبها للقيام بواجبه تجاه علم كبير من أعلام البلد قبل أن يوارى الثرى؛ و ربما أن أخبار الموت التي تتجاوز مساحة أخبار الحياة في اليمن قد كرست هامشية تشييع المتوفي.
لقد صار البلد يتخلف حتى عن تشييع رموزه المبدعين، ولا يتركهم نهبًا للمرض فقط. لا يمكن قبول العذر حتى من شريحة المثقفين والمبدعين، الذين يدركون معنى فقد مبدع مختلف كالجابري ومعنى الوداع الأخير… ومع ذلك تخلفوا عن توديعه وتركوه يرحل كالغريب!
من غير المستبعد أن تكون الحرب قد أصابت قيم رد الجميل في صميم فاعليتها وتأثيرها الإيجابي في المجتمع، وأصبح الكثير، بفعل ثنائية الحرب والموت التي صارت طاغية … غارقا في التزامات توفير احتياجات الحياة اليومية، وربما أن دوامة همومه الحياة اليومية القاتلة صارت تعجز الكثير عن فعل شيء آخر، لدرجة صار متجاهلاً التزاماته تجاه رهبة الموت والوداع الأخير لمن يعرف.
امتلأت منصات التواصل الاجتماعي في اليمن، أمس السبت، بخبر وفاة الشاعر أحمد الجابري، وكان الجميع ينعي وفاته، ويعتبرها خسارة لا تعوض. الكثير تحدثوا عن معاناته في الشهور الأخيرة من حياته دون أن يلتفت لمعاناته أحد، لكنهم تركوه أيضا يرحل في مشهد لا يليق بها كأحياء، على الأقل رفاقه المبدعين، الذين يبقون منارات للأمل في حياة المجتمعات مهما كانت قسوة الحياة عليهم.
يقول الصحافي والمراسل التلفزيوني، خليل القاهري، عن التشييع البسيط، الذي رافق التوديع الأخير للشاعر الجابري: قبل قليل ووريَ جثمان الشاعر أحمد الجابري الثرى. تخيلوا هذا مشهد تشييعه، نفر قليل من أصدقاء وجيران، كأنه لم يكتب يوماً، ولم يمجّد بلاداً وشعباً، ولم يكن على علاقة بتلك القصائد والأعمال الإبداعية التي ملأت الأرجاء والأسماع والقلوب في آن، ياألله كم هو مؤلم هذا الجحود والنكران. كأن شعباً لم يسمع يوماً، ونخبةً لم تقرأ أبداً، ذهبت إلى ربك أيها الجابري وستبقى خالدة أبياتك التي منها: “أضاعوني وهم أهلي..بلا بيت ولا سندِ/ أعيش العمر مغترباً..وحيد الدرب في بلدي/ توارى الناس من حولي ..ومات الشعر في خلدي”.
رحل الشاعر اليمني أحمد الجابري عن عمر ناهز 87 سنة أمضى جلها في محراب الشعر العامي، وقدّم من خلاله الروائع الغنائية الوطنية والعاطفية وغيرها، واحتفى بالوطن والطبيعة والحب والجمال بمستوى صارت كلماته ايقونات سمعية تتردد على امتداد اليمن؛ نعم إنها كذلك!
كتب الشعر الغنائي الوطني والعاطفي بعدد من اللهجات المحلية، وتعاملت مع أعماله أصوات غنائية من مختلف ألوان الغناء اليمني، في دلالة على خصوصيته وتفرد تجربته في علاقتها بالثقافة الجمعية للبلد.
من أبرز الأغاني التي تعكس عبقرية الشاعر الجابري، وسافرت في جميع أنحاء اليمن، نقف أمام “لمن كل هذي القناديل” و”طائر الأشجان ” وعلى أمسيري” و”عاشق الليل” و”طير أيش بك تشتكي” و” ناقش الحنة” و”خذني معك” و” يا صبايا”… وأغان عديدة كان لها دور فاعل ومؤثر في إثراء العاطفة الوطنية والإنسانية في الوجدان اليمني، كما تجلى من خلالها الجابري مختلفاً في علاقته الوطنية بالوعي الشعبي؛ إذ استطاع، من خلال الشعر العامي، أن يخاطبه ويرتقي بذائقته، ويسهم في التعريف بتراثه.
الجابري من مواليد عام 1936 في مدينة عدن، حيث بدأ تعليمه الأولي هناك، ثم انتقل عام 1953 إلى القاهرة، وأكمل هناك تعليمه الثانوي، ومن ثم تخرج في كلية التجارة في جامعة القاهرة عام 1966، وبعد ذلك انتقل إلى مدينة تعز عام 1972، وعمل في مجال التجارة، وشغل منصب مستشار صحيفة 14 أكتوبر عام 1993م.
يقول الروائي علي المقري في تدوينة على منصة إكس : "رحل اليوم (السبت) أحد أعظم شعراء الأغنية اليمنية بعد مرض وخذلان دام سنوات عانى خلالها الكثير من النكران وعدم الاهتمام. رحل شاعر “لمن كلّ هذي القناديل تضوّي لمن؟” و”على أمسيري” و”شفته ناقش الحنّة” و”أشتي أسافر بلاد لا تعرف إلاّ الحب” و”يا صبايا فوق بير الماء والدنيا غبش”وغيرها من الدرر”.
فيما قال الصحافي والمراسل التلفزيوني، محمد القاضي: "الشاعر أحمد الجابري ، أحد رواد القصيدة الغنائية في اليمن، يغادر دنيانا و فيه و في محبيه غصة للإهمال الذي تعرض له في سنواته الأخيرة من قبل المسؤولين عن هذه البلاد المتشظية؛ سنوات الجدب و الحرب و تجار الحرب ، سنوات الشتات والغربة التي عاشها في غرفة صغيرة في دمنة خدير بتعز، مصارعا المرض و الفاقة و الإهمال ..خَلق الجابري و أبدعت مخيلته أكثر من 200 قصيدة و عمل إبداعي ، و منها قصائد غنائية جميلة غناها أيوب طارش و محمد مرشد ناجي ، محمد سعد عبدالله،، أحمد بن أحمد قاسم، عبدالرب إدريس، والفنان عبدالباسط عبسي، وآخرون”. “غاب الجابري ، لكن مزهرياته خالدة في وجدان الناس؛ تسعدهم وتشيع فيهم الفرح و البهجة .. كم هو موجع أن يموت الجابري وهو في فاقة و حاجة، فيما من أنتجتهم الحرب يلعبون بالملايين”.
من إحدى قصائد الراحل نقتطف هذه الأبيات، وهو ينعي نفسه :
يا خليلي إن دنا الموت مني/ فادفئاني بالقُرب من قبر أمي
حيُث كانت ولا تزال تنادي / من ثرى لحدها ومن قبلُ باسمي
آثرتْ أن تموت والموت حقٌ/ وعلى صدرها من الوجد وسمي
كم وددتُ الحياة بالقُرب منها/ فادفئاني ..فليس لي غير جسمي
القدس العربي