العرب: الرياض تطالب بالتزام سياسي إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية

> "الأيام" العرب اللندنية:

>
​يسعى السعوديون للاستفادة من وضع الارتباك الذي تعيشه الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب تعقيدات الحرب في غزة لتحصيل مكاسب قبل الوصول إلى مرحلة التطبيع التي تراهن عليها إسرائيل لتحقيق اختراق كبير في علاقتها بمحيطها العربي ويراهن عليها الرئيس جو بايدن كورقة في حملته الرئاسية.

وتقول أوساط خليجية إن الإحراج هو الذي دفع السعودية إلى وضع ملف التطبيع على الرف عندما بدأت الحرب في غزة، إذ كيف تطبّع السعودية مع إسرائيل وهي تقتل الفلسطينيين. لكن الآن الوضع اختلف، فالسعودية لا تشعر بأي إحراج بعد أن نأت منذ البداية بموقفها تجاه الحرب وانتقدت سلوك إسرائيل ودعت إلى وقف القصف وتجنيب المدنيين ويلات الحرب.

وتعتقد السعودية أن إسرائيل في حاجة إليها الآن وليس العكس، من أجل تأمين مرحلة ما بعد الحرب من خلال تسوية تحوز دعما عربيّا. وتطالب السعودية بالتزام سياسي إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية.

وفي أكتوبر الماضي أوقفت الرياض الجهود الدبلوماسية التي قادتها الولايات المتحدة على مدى أشهر لإقناع السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل والاعتراف بها للمرة الأولى، وذلك جراء الغضب العربي المتزايد بشأن الحرب في غزة.

ومن أجل خلق مساحة للمناورة في المحادثات حول الاعتراف بإسرائيل ولإعادة الاتفاق الأميركي إلى مساره، قال مصدران إقليميان كبيران لرويترز إن المسؤولين السعوديين أبلغوا نظراءهم الأميركيين بأن الرياض لن تصر على أن تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة لإقامة دولة فلسطينية، وستقبل بدلا من ذلك التزاما سياسيّا بحل الدولتين.

وقال أحد المصادر الإقليمية إن المسؤولين السعوديين حثوا واشنطن في أحاديث خاصة على الضغط على إسرائيل لإنهاء حرب غزة والالتزام بـ”أفق سياسي” لإقامة دولة فلسطينية، وقالوا إن الرياض ستقوم بعد ذلك بتطبيع العلاقات والمساعدة في تمويل إعادة إعمار غزة.

وقال عبدالعزيز الصغير رئيس مركز الخليج للأبحاث في جدة، وهو مطلع على المناقشات الجارية، إن “رسالة المملكة إلى أميركا كانت: أوقفوا الحرب أوّلا، واسمحوا بالمساعدات الإنسانية، والتزموا بحل عادل ودائم لمنح الفلسطينيين دولة... دون ذلك، لا تستطيع السعودية أن تفعل أي شيء”.

لكن المشكلة هي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أمضى مدة طويلة من حياته السياسية معارضا لإقامة دولة فلسطينية، يرفض بشكل قاطع أي تطلع أميركي وعربي إلى إقامة دولة فلسطينية بمجرد انتهاء الحرب في غزة.

وقال أحد المصادر الإقليمية البارزة والمطلعة على التفكير السعودي “التطبيع يتطلب التزاما حقيقيا من الإسرائيليين بأنهم منفتحون على حل الدولتين إن لم يكن قانونيا فعلى الأقل سياسيّا”. وتابع “إذا أوقفت إسرائيل هجومها العسكري على غزة  أو على الأقل أعلنت وقف إطلاق النار  فسيسهّل ذلك على السعودية المضي قدما في الاتفاق”.

وذكرت المصادر الإقليمية أن المسؤولين السعوديين لم يوضحوا بالضبط “المسار” المقبول لإقامة دولة فلسطينية، ما يمنحهم فرصة للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لا يتضمن أي خطوة ملزمة.

ولم تكن هناك أيضا أي محاولة لإحياء السياسة التي طالما نادت بها السعودية والتي عرضت على إسرائيل علاقات طبيعية مع العالم العربي بأكمله مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967.

ومع ذلك قال الصغير من مركز الخليج للأبحاث إن “الرياض ودبلوماسيين عربا آخرين أبلغوا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومسؤولين أميركيين آخرين زائرين بأنه دون ضغوط ملموسة وجدية من واشنطن على إسرائيل لن تتم إقامة دولة فلسطينية”.

وأشار مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية إلى أن واشنطن تواصل المحادثات مع الرياض بشأن الجوانب الأميركية - السعودية في اتفاق التطبيع، بما في ذلك التعاون النووي والضمانات الأمنية، لكن كل شيء يعتمد على التزام إسرائيل بالمسار المؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الحرب في غزة.

وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض عندما سُئل عن التطبيع “تركز الجهود الدبلوماسية الأميركية حاليا على الأزمة الراهنة. لكننا مازلنا ملتزمين بالهدف طويل الأمد المتمثل في جعل منطقة الشرق الأوسط أكثر استقرارا وازدهارا وتكاملا، (عبر مختلف السبل) بما في ذلك التطبيع والدفع باتجاه حل الدولتين”. ومن المقرر أن يعود بلينكن إلى المنطقة في غضون أيام.

وقال مصدر أميركي “إن واشنطن تعتقد أن رغبة الرياض الشديدة في الحصول على ضمانات دفاعية أميركية تعني أن المملكة ستكون مستعدة لإبداء بعض المرونة حيال ما يمكن أن يشكل التزاما إسرائيليا بمسار يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية”. وأضاف المصدر أن “إحدى الخطوات في هذا الاتجاه قد تكون تخلي نتنياهو عن معارضته لاضطلاع السلطة الفلسطينية بدور مهم في غزة بعد الحرب”.

وستكون إقامة علاقات مع السعودية ذات الثقل في العالم العربي أكبر مكسب دبلوماسي لنتنياهو، أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فإن التطبيع سيحيي التطلع إلى إقامة دولة لهم بدعم عربي كامل.

وقال محمد دحلان، الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في غزة والذي كان ينتمي إلى حركة فتح ويقيم حاليا في الإمارات، “(هذه) أول مرة أشعر (فيها) بأن ثمة إجماعا عربيا حثيثا على موضوع حل الصراع. وحل الصراع القائم على حل الدولتين لا يعني حلا تكتيكيا”.

وأضاف “السؤال (الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو:) إلى أي درجة سيكون الأميركان والإسرائيليون جادين في هذا الموضوع؟ لأن الإسرائيليين ليسوا جادين، ما في ذلك شك، لكن إذا كان الأميركان جادين في هذا الموضوع، فأنا رأيي أن الكارثة التي صارت في الحرب يمكن أن ينتج عنها أفق وأمل”.

وقال المصدر الأميركي “إن إدارة بايدن تعتقد أن نتنياهو مستعد لإبقاء احتمالات التطبيع الإسرائيلية – السعودية قائمة لكنه لا يظهر أي مؤشر على التخفيف من حدة رفضه تقديم تنازلات للفلسطينيين، ويرجع ذلك جزئيا إلى احتمال زعزعة استقرار الائتلاف الحاكم اليميني المتطرف”.

وفي رحلته إلى الشرق الأوسط الشهر الماضي استخدم بلينكن مطلب رسم مسار لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما ظهر خلال اجتماعات في تركيا والأردن وقطر والإمارات والسعودية، لتقديم موقف إقليمي موحد لإسرائيل.

وقال للصحافيين إنه “سيتعين على إسرائيل اتخاذ قرارات صعبة لضمان أمنها واندماجها في المنطقة على المدى الطويل”. ومع وجود اقتراح جديد من ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن في غزة قيد المناقشة، فإن وقف الأعمال القتالية قد يمنح السعودية فرصة التوصل إلى اتفاق بشأن التطبيع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى