موقف واشنطن من استقرار المنطقة.. محير

> محمد خلفان الصوافي:

>
​يطرح التقرير الأميركي الذي تم تسريبه من البيت الأبيض مؤخراً، من خلال مجلة "بوليتيكو" والذي يشير إلى أن هناك أربع دول عربية -منها دولة الإمارات العربية المتحدة- ترفض السماح للقوات الأميركية باستخدام أراضيها أو منشآتها العسكرية كقواعد لانطلاق الطائرات في عمليات شن غارات ضد حلفاء إيران والمقصود هنا تحديداً ميليشيا الحوثي.

يطرح هذا التقرير سؤالاً كبيراً ألا وهو: هل الإدارات الأميركية الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة منذ عام 1979، تريد فعلاً استقرار المنطقة التي تنتج ما نسبته 20 بالمئة من الطلب العالمي اليومي من النفط والذي يبلغ 99 مليون برميل، وهل واشنطن جادة بما يكفي بأن تضع حداً لمن يهدد استقرار الملاحة الدولية والمنافذ البحرية؟

قد نخرج بإجابتين اثنتين لهذا التساؤل؛ الإجابة الأولى مبنية على افتراض حسن نوايا الإدارات الأميركية في العمل على استقرار هذه المنطقة مع أن النوايا الحسنة في العلاقات الدولية غير موجودة إلا في حالات نادرة. ولكن ما يعرقل تلك “النوايا” الطبيعة الجيوسياسية لهذه المنطقة المعروفة على مدى التاريخ بعدم الاستقرار حيث تعمل على إفشال كل الجهود الأميركية. 

وبالتالي على الجميع تقبل هذه السمة وهذا الوضع، وعلينا ألا نفكر في طرح سؤال حول رغبة الولايات المتحدة في استقرار المنطقة كما جاء في عنوان المقال.

أما الإجابة الثانية، فهي نفي وجود تلك الرغبة، وهي إجابة ربما تتبناها الأغلبية التي تدلل على صواب موقفها بالقول رغم أن التواجد الأميركي في المنطقة دام أكثر من خمسة عقود إلا أن المنطقة لم تشهد هدوءا أو تفاهماً بين الولايات المتحدة وإيران المتنافستين الكبرييْن على النفوذ فيها، كما لم تشهد صراعاً بينهما ينهي حالة “اللاّحرب واللاّسلم” بقدر ما أن هذه العلاقة هي من أجل استمرار ذلك الوضع. وقد جاء نجاح الوساطة الصينية بين إيران والسعودية في مارس من العام الماضي لتأكيد هذه الإجابة.

ومع أن الإجابتين هما أقرب إلى افتراضات، تتميزان بالعاطفية، وفيهما شيء من التفكير الشعبوي ومن الجلسات الخاصة، لكن أعتقد لو تم إجراء “استطلاع رأي” باعتباره إحدى أدوات جمع المعلومات في القضايا السياسية، ستكون النتيجة هي نفسها. 

وربما يتفق مع هذه النتيجة بعض المحللين الموضوعيين المتابعين للسياسات الأميركية في المنطقة إلا في حالات استثنائية منها تحرير الكويت في عام 1990. ولكن فيما يخص العلاقة مع إيران نكاد لا نجد ما يؤكد أنها جادة في وضع حد لتجاوزات إيران وأذرعها.

وما يدعم الاعتقاد أيضا أن الولايات المتحدة ليست راغبة في استقرار المنطقة، بعض المؤشرات منها القديمة ومنها التي نعيشها حالياً. 

من بين المؤشرات القديمة أن هناك ملفات تعود إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي، لم يتم إغلاقها بل استمرت مفتوحة، مثل تهديد الناقلات النفطية، ومنها أيضا ملف القضية الفلسطينية وكذلك المغامرات الأمنية للميليشيات العسكرية، فهي بين تصعيد وهدوء حسب العلاقة الأميركية-الإيرانية، بل هي مؤشر على طبيعة العلاقة فهدوؤها يعني شيئا، وخطابها المتصاعد يعني شيئا آخر. 

أما المؤشرات الجديدة أو الحديثة فهي ادعاء الإدارة الأميركية الحالية بعدم قدرتها على إيقاف النزيف البشري الذي تحدثه الآلة العسكرية-الإسرائيلية على قطاع غزة، ولذلك فإن حربها ضد ميليشيات الحوثي للقضاء عليها ليست بتلك الجدية، التي تحاول فيها اتهام دولة الإمارات وغيرها من دول المنطقة، وبالتالي ادعاء واشنطن بعدم تسهيل مهمتها في قتال الحوثي من خلال استخدام القواعد العسكرية الإماراتية قد يبدو محيرا.

الخلاصة، أن تقرير موقع “بوليتيكو” لو نظرنا إليه من الناحية السياسية، لوجدنا أنه أقرب إلى أن يكون دليلا على أن موقف الإدارة الأميركية غير واضح بالشكل الكافي لإثبات رغبتها في استقرار المنطقة، لسبب بسيط هو أن دولة الإمارات سبق أن حذرت من ميليشيات الحوثي وواجهتها عسكرياً بعد أن تعدت على أمنها واستقرارها في عام 2022، ويومها لم يكن موقف الإدارة الأميركية الحالية واضحاً.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى