مسلمون حول العالم

>
المسلمين في الهند - ج2

سس المغول دولتهم في دهلي على يد ظهير الدين محمد بابر عام 1526م، وكانت من أكبر الإمبراطوريات الإسلامية، وأقوى دولة إسلامية قامت في الهند، وأعظمها أثرا، وقد استمر حكمها لأكثر من 3 قرون، وفي أوج قوتها امتدت على أراضي شاسعة، شملت الهند وباكستان وبنغلاديش وأفغانستان وأجزاء من ميانمار (بورما).

وكان جلال الدين أكبر من أقوى سلاطين المغول، فقد حكم 50 عاما، عمل خلالها على توسيع مملكته، التي ضمت أفغانستان والهند الشمالية والوسطى، بما فيها غوجارات والبنغال ومالوا والسند ولاهور ودلهي وكشمير وملتان وبهار وغيرها، ولم يبق من الهند خارج حدود دولته سوى الجزء الجنوبي، الذي ضم مملكتي بيجابور (بولاية كراناتاكا) وكولكنده الإسلاميتين، وقيجا يانكر الهندوسية.

ولتدعيم ملكه واستمالة أصحاب الأديان الأخرى، أنشأ جلال الدين أكبر دينا جديدا أسماه "الدين الإلهي"، وكان خليطا من عدة أديان. وفي عهده كذلك بدأت تظهر الأطماع الأوروبية في الهند، وتأسست آنذاك شركة الهند الشرقية البريطانية، التي منحها بعض الامتيازات.

وعندما تولى الحكم ابنه جهانكير عام 1605م ألغى الأفكار الدينية التي حاول والده بثها، واستقرت أحوال البلاد في عهده، ومكث في السلطة نحو 20 عاما، وشكل عهد ابنه شاه جهان عصر الرخاء المالي للدولة، والازدهار في الفن والعمارة، وبلغ القمة بالصرح الفريد "تاج محل" الذي شيده تخليدا لذكرى زوجته.

وكان أورنك زيب هو خاتم السلاطين العظام، فقد حكم ما يزيد على 50 عاما، تابع فيها الفتوحات حتى استولى على ولاية أراكان على حدود ميانمار، وضم ولاية جانكام وأخضع منطقة التبت، وسيطر على جنوب الهند متمثلا بمملكتي بيجابور وكولكنده، وقضى على الثورات، كثورة ستنامى والراجبوت والمراهتا، وثبت دعائم العقيدة والدين، وبنى المساجد والمستشفيات ودور العجزة.

وبعد وفاته عام 1707م، بدأت دولة المغول تتهاوى، بسبب الحروب الداخلية والصراعات على العرش والثورات المتعددة وحركات الانفصال، وكان هجوم ملك إيران نادر شاه ضربة قاضية للدولة، ثم أطاحت هجمات أحمد شاه الدراني الأفغاني بما بقي منها.

وفي الوقت نفسه، كان النفوذ الأوروبي قد نخر عظام الدولة، وسيطرت الشركات الأوروبية على البلاد، عبر استغلال الامتيازات التجارية التي منحت لها، ثم تكوين الجيوش التي استعمروا بها البلاد، وتحكم الإنجليز في السلاطين، الذين أصبحوا ألعوبة في أيديهم، ومع سقوط آخر حكام المغول "بهادر شاه الثاني" عام 1857م، سقطت دولة الإسلام في الهند، ولم تقم لها قائمة بعد ذلك.

التأثير الحضاري

كان للإسلام في الهند تجربة فريدة في التعايش مع طيف واسع من الديانات واللغات المتعددة والشعوب المختلفة من الهنود والعرب والترك والأفغان، وشكل حضارة تمتعت بنسيج امتزجت فيه خصائص متباينة، أنتجها التفاعل والتبادل الحضاري بين العناصر المختلفة في المجتمع، وقد ترك الوجود الإسلامي الطويل في بلاد الهند، الذي امتد 8 قرون، أثرا بارزا في الجانب الحضاري، لاسيما النظم الإدارية والدين واللغة والعمارة والفنون والعلوم والآداب.

ويظهر ذلك جليا في انتشار الإسلام بين عدد كبير من الهنود بنسبة تصل إلى 14.2% إذ بلغ المسلمون هناك 172 مليون نسمة (وفق الإحصاءات الرسمية لعام 2011). كما أثرت العقيدة الإسلامية في تنامي الفكر التوحيدي بين الهنود، وظهور العقائد التوحيدية المحلية، ويرجع هذا التأثير إلى حد كبير إلى جهود العلماء والحركات الدينية والصوفية التي عملت على نشر الإسلام، وعلى الرغم من قيام بعض الفاتحين بإزالة مظاهر الوثنية في البلاد، فإنهم لم يجبروا الناس على اعتناق الإسلام.

وفي مجال اللغة، أفضى الحكم الإسلامي إلى إيجاد لغة جديدة هي "اللغة الأردية"، التي تأثرت إلى حد كبير باللغة العربية، وتعد لغة رسمية في الهند، ومن أكثر اللغات شيوعا فيها، ويتكلم بها المسلمون وغيرهم.

وقد خلف المسلمون كذلك، تراثا فنيا ومعماريا مذهلا، تمثل في المباني والقصور والحمامات والحصون والمساجد والمقابر بطرزها المعمارية المميزة، وزخارفها ونقوشها البديعة، التي اعتمدت على الأشكال الهندسية والخط العربي، وتبرز شواهد كثيرة على التميز العمراني الإسلامي في الهند، ويمثل ضريح "تاج محل" على سبيل المثال، أحد أبرز المآثر المعمارية في العالم.

واهتم المسلمون بالعمران فشقوا الطرق وحفروا الترع والآبار وشيدوا الجسور، وقد برع المغول في فن تنسيق الحدائق، التي احتفظت كشمير ببعض منها، وارتقى المسلمون في الهند بفن الرسم والتصوير والموسيقى، وقد اخترعوا أدوات موسيقية، واستحدثوا نوتات جديدة.

ومن أبرز إنجازاتهم أنهم نشروا العلوم والمعارف والآداب وارتقوا بها، وبنوا المدارس والمعاهد العلمية واهتموا بالمكتبات وأقاموا المراصد، وشجعوا التأليف ونشطت في زمنهم حركة الترجمة في شتى المعارف، وتجلى ذلك في التراث المعرفي والأدبي الذي خلفوه.

وطور المسلمون نظم الحكم والقوانين الإدارية، وكان الحكم في عهد المغول قائما على الوحدة الوطنية، بغض النظر عن الدين والعرق. ومن أرقى القوانين التي سنّوها، قانون ضمان الدولة للعجزة والمرضى. وأصلح المسلمون الأنظمة المالية وقوانين الضرائب ونظام القضاء، وازدهرت التجارة والصناعة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى