الفتوحات الإسلامية

> يتبع فتوحات أفريقيا

>
ونظرا للنجاح الذي حققه هذه الحملات الاستكشافية فكر ابن أبي سرح في القيام بحملة حقيقية لفتح "إفريقية". وبدأ باستشارة الخليفة عثمان، "وكتب إليه يخبره بقربهم "أي قرب الروم" من حز المسلمين ويستأذن في غزوها".

وكان عثمان -رضي الله عنه- هو الآخر يخشى على المسلمين من التوغل في تلك المناطق البعيدة المترامية، إذ يشير البلاذري في "فتوح البلدان" إلى أنه كان "متوقفا في غزوها" ثم إنه وافق على الغزو بعد أن استشار كبار الصحابة وأصحاب الرأي، وأخذ يدعو الناس إلى الجهاد، ويحثهم على التطوع، فتقاطروا من مختلف القبائل للاشتراك في هذه الغزوة، وأعان هو الجيش بألف بعير من ماله، يحمل عليها ضعفاء الناس -أي فقراؤهم- وفتح خزائن السلاح، وأمر للناس بأعطياتهم وأمدهم بالخيل، فلما اكتمل الجيش في الجرف "على مقربة من المدينة"، قام فيها خطيبا، ورغبهم في الجهاد، ثم قال لهم: "لقد عهدت إلى عبد الله بن سعد "بن أبي سرح" أن يحسن صحبتكم ويرفق بكم، وقد استعملت عليكم الحارب بن الحكم إلى أن تقدموا على ابن أبي سرح، فيكون الأمر له". وكان ذلك في المحرم من "سنة 27هـ/ 647-648م".

وقد اندمج في هذه الحملة نفر غيل قليل من مشاهير الصحابة وأولادهم، وسمى هذا الجيش "جيش العبادلة" لاشتراك عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن زيد ابن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، وأخيه عبد الرحمن، وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم. وكانوا جميعا شبابا في السن الباكرة -رضي الله عنهم أجمعين.

ولما وصلت تلك القوات إلى عبد الله بن سعيد بن أبي سرح في مصر تولى القيادة عليها، وجمع إليها ما كان لديه من الجند، فصار له جيش عدته -باتفاق المؤرخين- عشرين ألفان فاستخلف على مصر الصحابي عقبة بن عامر الجهني، ومضى هو إلى إفريقية.

معركة سبيطلة وانتصار المسلمين "27-28هـ/ 647-648م":

كان حاكم المغرب "جريجوريوس" الأرمني "ويسميه العرب جرجير" قد انفصل عن الإمبراطورية البيزنطية، واستقل بحكم بلاد المغرب كلها "سنة 646م" وكان سلطانه ما بين طرابلس إلى طنجة" كما يقول ابن عبد الحكم. ولما كان مقامه بقرطاجنة -وهي المدينة البحرية الهامة- يعرضه لخطر الأسطول البيزنطي الذي كانت له السيطرة حتى ذلك الوقت على البحر فإنه فضل أن يكون بأمن في الدخل، واختار المقام في "سبيطلة"، وهي مدينة كبير وحصينة، ولها أهمية خاصة في ذلك الوقت، باعتبارها واحدة من سلسلة المدن التي تكون خط الدفاع الثاني الذي أقامته بيزنطة للدفاع عن البلاد ضد ما يتوقعه الروم من هجمات البربر. وتقع على الطريق الذي يؤدي من السهل الساحلي "سهل تونس" إلى جبال الأوراس، وقريبة من المنطقة التي ستبنى فيها مدينة "القيروان" بينهما سبعون ميلا، وبينها وبين قرطاجنة مائة وخمسون ميلا"راجع ويدل اختيارها قاعدة للملك -أيضا- على أن "جرجير" استشعر بخطر المسلمين بعد أخذهم "طرابلس" و"سبرت". ثم إنه كان يعول على نصر البربر وعونهم، فأحب أن يتحرر فيهم، ويستعين بهم، ففضل اللجوء إلى الداخل، والتحصن في "سيبطلة".

وصل عبد الله بن سعد بن أبي سرح بجيشه -إلى برقةن فلقيه عندها عقبة بن نافع الفهري، فيمن كان معه من المسلمين، فانضم إليه. ثم تحرك إلى طرابلس -وكانت قد خرجت عن طاعة المسلمين بعد فتحها الأول -فوجد أهلها قد امتنعوا خلف أسوارها. فلبث على حصارها أياما، فخاف أن يطول الحصار وهو يريد الإسراع إلى "جرجير" في سبيطلة، فأمر الناس بالرحل كسبا للوقت، وكذلك فعل حين وصل إلى "قابس"، وجد أهلها متحصنين، فانصرف عنها، إذ أشار عليه الصحابة أن لا يشتغل بها عن هدفه الأساسي، وهو فتح إفريقية" والقضاء على التجمع البيزنطي في "سببيطلة"، فواصل المسير إلى أن حط رحاله في إقليم "قمونية" في سهل تونس -غير بعيد من سبيطلة- ريثما يستريح الجند، وليأخذوا في الاستعداد للمعركة الفاصلة. وفي هذه الأثناء أخذ ابن أبي سريح يرسل السرايا، تستكشف البلاد في كل الجهات، وتأتي بالمؤن والعلف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى