فتوحات أفريقيا

> حملة معاوية بن حديج السكوني "45/ 666م":

عزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن قيادة جيش الفتح في إفريقيةن لكنه بقي واليا على مصر، واستمر نشاطه الحربي - وخاصة ضد الروم- إلى نهاية ولايته عليها "سنة 36هـ/ 656م".

وبمقتل الخليفة عثمان -رضي الله عنه- في أواخر "سنة 35هـ/ 656م" اختلفت كلمة المسلمين، وانفتحت أبواب الفتنة على مصراعيها. وكان لا بد أن تؤثر هذه الأحداث التي استمرت خمس سنوات "35-40هـ" على حركة الفتوح في "إفريقية" وغيرها فبسببها تعطلت حركة الجهاد، وكان باستطاعة الروم أن يستعيدوا "إفريقية" خلال تلك الفترة التي انشغل فيها المسلمون بخلافاتهم، ولكنهم لم يستطيعوا ذلك بصورة فعالة.

وما أن استقر الأمر لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- "عام 41هـ/ 661م" -الذي سمي بعام الجماعة- حتى عادت الفتوح قوية من جديد في المشرق، وفي المغرب على السواء وقرر فصل ولاية "إفريقية" عن ولاية"مصر". وجعلها ولاية تابعة للخلافة مباشرة، وعين "معاوية بن حديج السكوني" واليا عليها، وأمره بالمسير إليها ومواصلة الجهاد، وزوده بجيش مكون من عشرة آلاف مقاتل، من بينهم عدد كبير من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبنائهم، أمثال عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الملك بن مروان وغيرهم.

خرج معاوية بن خديج من الإسكندرية، وسار برا بإزاء الساحل حتى وصل إلى "قمونية"، وهو المكان الذي عسكر فيه من قبل ابن أبي سرح قائد المسلمين في معركة سبيطلة "28هـ". ولم يكد الجيش يحط برحاله في هذا الإقليم حتى تسامع المسلمون بوصول جيش بيزنطي "أسطول بحري" إلى إفريقية، قوامه ثلاثون ألف مقاتل، أرسله الإمبراطور البيزنطي، بقيادة أحد البطارقة يدعى "نقفور" ونزل في منطقة "الساحل" الواقعة بين "سوسة" و"سفاقس" "راجع الخريطة". فتقدم ابن حديج نحوهم، وعسكر في مكان بالقرب من جبل "القرن"، ومنه أرسل جيشا كثيفا بقيادة عبد الله بن الزبير للتصدي لجيش الوم، فتقدم للقائهم، وناوشهم مناوشة خفيفة تقهقروا بعدها إلى "سوسة"، ثم أقلعوا في البحر إلى "صقلية" منهزمين، واستولى المسلمون على المدينة. ثم أرسل ابن حديج سرية أخرى في ألف فارس بقياس عبد الملك بن مروان -وكان في التاسعة عشرة من عمره- إلى "جلولاء" فحاصرها وفتحها عنوة. ثم قاد هو بنفسه حملة إلى "بنزرت" -على الساحل الشمالي بالقرب من "قرطاجنة" فافتتحها. "ومن الغريب -كما يقول د. حسين مؤنس- أنه لم يقصد قرطاجنة عاصمة إفريقية البيزنطية، وكانت معروفة للعرب إذ ذاك فلا يقال إنه جهلها. وربما كان السبب في ذلك أنه تهيب حصارها، لما كان معروفا عنها من المنعة والقوة. ولا نزاع في أنه أخطأ بذلك خطأ كبيرا، فلو أنه وجه جهوده نحو قرطاجنة لخطا بفتح إفريقة خطوة كبرى، لا شك في أهميتها، لكنه انصرف إلى منياء لا أهمية له -وهو "بنزرت"، ولم يكن لسقوطه أي أثر في فتح هذه البلاد" .

ولذا لا نستطيع اعتبار أعمال معاوية بن حديج فتوحا؛ لأن الضربات السريعة لا تعتبر فتوحا، ولا تنشأ عنها فتوح. وحملته هذه ما هي إلا إحدى المقدمات التي سبقت الفتح الحقيق الذي ستبدأ أولى حلقاته على يد طالت خبرته بـ إفريقية وأهلها، فعرف السبيل الصحيح لتثبيت أقدام المسلمين في بلاد المغرب، ألا وهو عقبة بن نافع الفهري.

وإذا كان لحملة ابن حديج -ومن قبلها حملة ابن أبي سرح- من أهمية فإنها تتلخص في أن بلاد "إفريقية" أصبحت أرضا مألوفة للمسلمين، ولم تعد مخوفة "غادرة مغدور بها" كما كان الحال قبل اقتحامها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى