فتوحات أفريقيا

> ثانيا: عزل عقبة وولاية أبي المهاجر دينار "55-62هـ/ 674-681م"

وبينما كان عقبة يتخذ الأهبة للخروج للغزو الواسع النطاق -بعد أن أتم تأسيس "نقطة الارتكاز"- إذا معاوية بن أبي سفيان "الخليفة" يفاجئه بالعزل "سنة 55هـ/ 674م". وكان من المتوقع بعد أن قام عقبة بهذا العمل المجيد أن تكافئه الدولة بأن تتركه في ولايته ليتم ما بدأه، إلا أنه -بدلا من ذلك- يتلقى أمرا بعزله عن "إفريقية" .

وكان الخليفة قد ولى على مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري "سنة 47هـ/ 667م" وهو من أنصار البيت الأموي الذي أعانوا معاوية على الوصول إلى الخلافة، فكافأه بولاية مصر، وظل واليا عليها إلى سنة "62هـ/ 681م". وعندما رأى مسلمة أن "إفريقية" أصبحت ولاية وميدانا جديدا واسعا للفتوحات طمحت نفسه إلى أن يحوزها، فسعى عند الخليفة في عزل عقبة، وجمعت له الولاية على مصر وإفريقية معا، ثم ولى على "إفريقية" رجلا من أهل مصر مولى له -نائبا عنه- هو "أبو المهاجر دينار".

وكان مسلمة قد أوصى الوالي الجديد أن يعزل عقبة أحسن العزل"، فلما قدم أبو المهاجر "إفريقية" أساء عزل هذا القائد الكبير، وحبسه. ولم يكتف بذلك، وإنما كره نزول "القيروان"، ونزل في قرية صغيرة على بعد ميلين منها، تعرف بـ "تكرور" أو "تكروان" رغبة في التقليل من أهمية العاصمة الجديدة، وإيجاد بديل عنها، وبل وحث الناس على تعمير الموضع الجديد. وقد خرج عقبة فتوجه إلى دمشق، وشكا للخليفة، فطيب نفسه، ولكنه لم يرده إلى ولايته. يقول ابن عذارى: "ولما قدم عقبة على معاوية قال له: فتحت البلاد، ودانت لي، وبنيت المنازل، واتخذت مسجدا للجماعة، وسكنت الناس "أي بنيت لهم مساكن"، ثم أرسلت عبد الأنصار فأساء عزلي؟ فاعتذر له معاوية ... وتراخى الأمر حتى توفي -أي الخليفة- "سنة 60هـ" وأفضى الأمر "أي الخلافة" إلى يزيد ابنه".

والحق أن أبا المهاجر كان من خيرة الولاة، وعلى قدر كبير من الحكمة، ولم يكن أقل كفاءة من عقبة بن نافع، فهما ينتميان إلى مدرسة واحدة، هي مدرسة الإسلام، وتعلم فيها الاثنان معنى الجهاد، والتضحية في سبيل الله -عز وجل. ورغم كل ما ذكره المؤرخون من خلاف بين القائدين، أو ما حدث بينهما من إساءة نجدهما يشتركان في هدف واحد هو العمل -ما أمكنهما- على نشر كلمة الله -سبحانه وتعالى- في المغرب، وإن اختلف كل منهما في القيام بهذا الواجب. فقد كان عقبة عسكريا صرفان تميل طبيعته إلى حسم الأمور، مستخدما سيفه وجنده. بينما كان أبو المهاجر رجلا سياسيا محنكا، استخدم السيف حين كان له ضرورة، ومال إلى اللين ليتمن من قلوب بعض البربر ويضمهم إلى الإسلام، ويخرجهم من ساحة الأعداء، إلى ساحة المحايدين.

وكان أبو المهاجر دينار أول قائد مسلم يقدر على أن يخرج من سهل تونس ويتوغل في هذاب "المغرب الأوسط" ويهاجم القبائل البربرية في مواطنها الحصينة، ووصلت غزواته إلى "تلمسان"، وهي أكبر قواعد القسم الشرقي من المغرب الأوسط. وفي هذه النواحي كانت منازل قبيلة "أوربة"، وهي قبائل البربر "البرانس" في ذلك الحين، ويدين أفرادها بدين النصرانية. ويتزعمها رجل بربري قوي يسمى "كسيلة بن لمرم"، وكان متحالفا مع الروم البيزنطيين ضد العرب. وقد استطاع أبو المهاجر أن يغزو مواقع "أوربة" في جبال "الأوراس"، وأن يكتسب رئيسها كسيلة" إلى الإسلام، فأسلمن وتبعه نفر كبير من قومه. وبعد أن قضى أبو المهاجر في هذا الغزو نحو من سنتين "59-61هـ" على إلى معسكره، وأقام به عاما واحدا حتى عزل. وكان الظروف السياسية في عاصمة الدولة الإسلامة "دمشق" قد تغيرت، فمات الخليفة معاوية "سنة 60هـ/ 679م"، وتولى من بعده ابنه يزيد. وكان يزيد مقتنعا بعقبة بن نافع وحسن بلائه في فتح إفريقية، فأعاده مرة أخرى إليها -بعد أن استجاب لشكواه- وعزل أبا المهاجر "سنة 62هـ/ 681م".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى