المسلمون في البانيا

> دخلت فلول الإسلام دولة ألبانيا مع الغزو التركي سنة 1387م. بيد أن الإشعاع الإسلامي أطل على البلاد منذ القرن الثالث عشر، ورغم أن الدولة الحاكمة منذ القرن الرابع عشر كانت الدولة العثمانية المسلمة فإن الدين الحنيف لم تقم له قائمة بهذا الوطن إلا بعد أن أتم العثمانيون إخضاع مناطق كبيرة واعترفت الدوائر الرسمية بنفوذ السلطان عام 1423، بقيادة السلطان مراد الثاني، وقد ثارت ألبانيا بعد ذلك بأمد قصير فاستردت استقلالها بزعامة جورج كاستريوتا الذي اشتهر باسم "إسكندر بك" يوم اعتنق الإسلام. فلما عاجلته المنية سنة 1467 انقض العثمانيون مرة أخرى فاسترجعوا نفوذهم بعد أن توالت فتوحاتهم للمدن والقرى على السواء، فلما سقطت مدينتا كاستريوتا ثم دورا زو واستسلم أهلها عام 1501 التجأ المسيحيون من الألبان بشمال البلاد، وعاشوا متمتعين بشعورهم القومي إلى جانب إخوانهم المسلمين. وللسلطان محمد الفاتح يرجع الفضل في بناء مسجد لعسكره المسلمين في ألباسان وكان ذلك سنة 1466 ميلادية.

ولقد كانت ألبانيا مسرحا لأحداث دامية وحروب مستمرة بين الترك والألبان، ولكن ذلك كله لم يمنع البلاد من أن تصبح ولاية إسلامية يذكر فيها اسم الله وتحيى شعائره.

وتسرب الإسلام إلى الأفئدة في بطء على يد الألبانيين أنفسهم فكانت نسبة تعداد المسيحيين للمسلمين سنة 1610 تكاد تقارب 10 إلى 1، وكان انتشار الدين المحمدي في المدن الكبيرة أكثر كما في القرى، ولعل سبب ذلك راجع إلى أن سكان المدن أكثر تكيفا وأقدر على مسايرة الأفكار الجديدة، أما أهل القرى فلهم عادات وأنماط في الحياة يعيشون عليها ولا يبتغون بها بديلا.

آثر كثير من المسيحيين الهجرة إلى البلاد المجاورة بينما تحول السواد ممن فضلوا البقاء إلى الإسلام. وبازدياد عدد السكان المسلمين حولت الكنائس إلى مساجد.

وتروي كتب التاريخ أن السر في انتشار الدين الجديد فساد المجتمع المسيحي وجهل القسيسين والوعاظ وعدم توافر الدعاة المتحمسين، ففي خلال فترة قصيرة بلغت ثلاثين سنة قيل إن حوالي 300.000 من الألبانيين تحولوا إلى الإسلام، حتى أن القرن التاسع عشر لم يشهد بناء كنيسة واحدة للمسيحيين في مدينة "إنيتفارى".

يبلغ عدد المساجد في ألبانيا 34 مسجدا في ألباسان و12 في تيرانا التي تأسست بها الجماعة الإسلامية لرعاية شؤون المسلمين الدينية، وهي مؤلفة من بعض العلماء المعروفين في المحافظات المختلفة.

ومنذ أن خفت وطأة الحملات اللادينية شمل نشاط هذه الجماعة الكريمة عدة ميادين. وإذا كانت قد ركزت عنايتها على إصلاح شؤون الدين وتوفير الحياة الكريمة لأتباع الإسلام والعمل على إبداء محاسن الدين الإسلامي والتنويه بمزاياه، فلقد امتد نشاطها إلى الصعيد الفكري عموما فلعبت دورا هاما في إحياء الثقافة الإسلامية بإقامة المساجد في المناطق التي تمس الحاجة فيها إلى بيوت الله وتعمير ما خرب منها وتهيئة الخطباء والوعاظ والإنفاق عليهم وتشجيعهم بكافة الأسباب التي بين أيديها.

ومما يجدر ذكره في معرض الكلام عن إحياء الثقافة والتراث الإسلامي أنها شيدت "الثانوية الشرعية" في تيرانا، وهي مؤسسة تكفل للطالب حاجاته من مأكل ومشرب وملبس وكتاب أثناء تلقيه للعلوم الشرعية من القصائد والتفسير والحديث والفقه والعلوم العربية من البلاغة والنحو والثقافة العامة في التاريخ واللغة..

وقد توطدت وشائج الود بينها وبين الأزهر الشريف فعملت في بادئ الأمر على توجيه النابغين من المتخرجين إلى الأزهر الشريف ليستكملوا دراساتهم ويتصلوا بإخوانهم فيحصل التقارب المنشود.

ولقد عرفت الجماعة الإسلامية نشاطا لا تخبو جذوته على مر الأيام، فأسست مجلة إسلامية تثقيفية تصدر مرة كل شهر باسم (النداء العالي)، والملاحظ أنها غدت منبرا لإعلان حقائق الإسلام وأباطيل خصومه حسب ما اجتمع لها من إمكانيات، وهو لا يشكل إلا النزر اليسير.

ومن الأحداث المؤسفة في تاريخ هذا الوطن الإسلامي الكريم أن القوات الإيطالية نزلت سنة 1939 بأحد موانئ البلاد فتم لها الاحتلال، وناضل الشعب الألباني الشهم نضال الأبطال فلم يفلح في رد العدو المتلفع في صورة صديق، بيد أن الشعب المسلم لم يسكت على المحتل الكافر الذي أخذ يبث مفاسده الخلقية والفكرية في الأمة، فكان يغتال ويثور بين حين وآخر إلى أن استرجع جزءا من ترابه إبان الاحتلال الألماني ليوغوسلافيا.

ومن دواعي الأسف أيضا أن ألبانيا واحدا لم يسمح له بأداء فريضة الحج منذ عام 1938 إلى أيامنا هذه، رغم التسامح النسبي الذي يطبع الصلات الروحية في عالم اليوم.

ولعل مسؤولية هذه "القطيعة الروحية" ملقاة على كواهل العلماء المسلمين في البلاد العربية لتقاعسهم عن الذهاب إلى ألبانيا والاتصال بإخوانهم في الملة والدين استفهاما عن أحوال معيشتهم وظروف حياتهم، فإذا كان الشباب المسلم في ألبانيا لا يقوى على مغادرة أرض الوطن والتماس العلم في الأزهر الشريف أو القرويين مثلا لأسباب يطول شرحها، فلا أقل من أن تهتم الدوائر الإسلامية في العالم العربي بمصير الإسلام في أرض قد تبز غيرها في التشبث بتعاليمه وفروضه وشعائره، وذلك أضعف الإيمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى