أي انعكاس للتنافس الأمريكي - الصيني على الشرق الأوسط

> محمد الحمامصي:

> ​تناقش دراسة “التنافس الصيني – الأمريكي وأثره على المنطقة العربية” للباحث د. محمود حسين أبوحوش، والصادرة عن دار العربي، تساؤلا رئيسيا مفاده: ما هي أهم ملامح التنافس الصيني – الأميركي وانعكاساته في المنطقة العربية؟

أكد أبوحوش أن الصين ترى أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة من المنطقة العربية هو السيطرة على موارد النفط، وتجسد ذلك في غزو العراق واحتلال أفغانستان وليبيا والوجود العسكري المكثف في الخليج العربي، أي أن الصين مُدركة أن هذه السيطرة تعني قدرة أميركا على التحكم في هذا المصدر الخام الذي تتزايد الحاجة الصينية إليه، وهو ما قد تستثمره الولايات المتحدة في حالة وقوع أيّ مواجهة أميركية – صينية محتملة.

ولعل هذه المواجهة المتوقعة هي التي تفسر موقف الصين من عدم التفريط في إيران وسوريا، لأن سقوط هاتين الدولتين يعني خسارة الصين المجال الحيوي الذي يوفرانه إلى جانب تعرض 80 في المئة من واردات الصين النفطية التي تمرّ من الشرق الأوسط عبر الممرات البحرية للخطر.

ورأى أن التنافس بين الصين والولايات المتحدة هو تنافس شامل متعدد الأبعاد يجمع ما بين البعد الاقتصادي والعسكري والجيوستراتيجي والتكنولوجي والقيمي أو الأيديولوجي والسياسي والناعم. كما يمتد هذا التنافس إلى ما وراء العلاقات الثنائية، فعلى الصعيد العالمي، فإنه يؤثر على عمل المنظمات الدولية، والترابط الاقتصادي والمجتمعي، والجغرافيا السياسية الإقليمية.

ولفت أبوحوش إلى أن هناك عدة عوامل دفعت الصين للتنافس مع الولايات المتحدة أبرزها الرغبة في إعادة تشكيل (تعديل) النظام الدولي ورفض الهيمنة الأحادية، وتعزيز النفوذ وتأكيد الدور، وتأمين الوصول إلى الموارد، وصدام المصالح الإستراتيجية بين البلدين وتعارضها، ورؤية كلتا الدولتين للأخرى.

وأوضح أن تضارب المصالح الصينية – الأميركية وتعارضها ينبعان بالأساس من اختلاف رؤية كلّ منهما للنظام الدولي والعلاقات الدولية والحوكمة العالمية. وتتبنى الصين رؤية مغايرة لرؤية أميركية غربية قائمة على التعددية والحوار والتعاون والمنفعة المتبادلة وعدم التدخل والأمن المشترك والسيطرة الرقمية ونسبية القيم والقوة الناعمة والسلام التنموي والانسجام الحضاري مقابل الأحادية والتدخل والصراع والمواجهة والهيمنة واللعبة الصفرية، وعالمية القيم والأمن المطلق والديمقراطية الليبرالية والقوة العسكرية والسلام من خلال القوة، وصراع الحضارات وصدامها.

إن خلطة التعاون والتنافس في إطار ما يعرف “بالتنافس التعاوني” أو “المنافسة المدارة ” هو السيناريو الأرجح لشكل التنافس الصيني – الأميركي في المستقبل المنظور. وتعكس هذه الخلطة سعي الصين لتجنب أي مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة والغرب، على الأقل في هذه المرحلة، بما في ذلك قضية تايوان، ولا تريد تكرار تجربة الاتحاد السوفييتي التي أسهمت في انهياره أو تجربة روسيا في أوكرانيا.

وتسعى بكين للحفاظ على تجربتها التنموية وصعودها الإستراتيجي الهادئ، وتجنب دفع ثمن مواجهة مباشرة وشاملة مع الولايات المتحدة.

وأكد أبوحوش أن المنطقة العربية تعد محور اهتمام في إستراتيجيات القوى الكبرى ومنها الصين والولايات المتحدة اللتان تتشاركان في إدراك مدى أهمية هذه المنطقة كونها تحتل موقعا إستراتيجيا مهمّا وتحتوي على الممرّات الحاكمة وشديدة التأثير على حركة النقل البحري الدولي، فضلا عن كونها مصدرا رئيسيا لأمن الطاقة لكلا البلدين؛ وبالتالي تلعب دورا هاما في دعم استمرار تنمية الصين، وضمان استقرار أسواق البترول العالمية.

هذا إلى جانب أن المنطقة تعد سوق مهما لاستيراد أنواع مختلفة من المواد الخام والمعادن الرئيسية الضرورية، إضافة إلى أنها سوق استهلاكية واسعة للبضائع الصينية والأميركية قوامها أكثر من 400 مليون مستهلك، ومصدر للحصول على الاستثمارات في المجالات المختلفة.

وأضاف أنه بالمقارنة بين الإستراتيجيتين الصينية والأميركية في المنطقة العربية، نجد أنهما متناقضتان في الأهداف وآليات التنفيذ، فواشنطن تسعى دوما لبسط نفوذها وسيطرتها على المنطقة، ومنع أيّ قوى أخرى من منافستها، وتستخدم دوما الأداة العسكرية لتحقيق ذلك، كما فعلت في غزو أفغانستان 2001، والعراق 2003، والتدخلات العسكرية المستمرة في سوريا وليبيا والسودان، كما ترهن دوما المساعدات الاقتصادية المقدمة بشروط سياسية ترفضها دول المنطقة.

بالمقابل، تعمل الإستراتيجية الصينية على تعزيز التعاون مع القوى الإقليمية عبر استخدام الأداة الاقتصادية والثقافية (القوة الناعمة)، كما تركز على عدم التدخل والحوار والحلول السلمية للنزاعات والصراعات وإرساء الاستقرار وتعزيز فرص التنمية ومحاربة الفقر.

وأشار أبوحوش إلى أنه بينما تقوم الإستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة العربية على تقليل الانخراط الأميركي فيها خلال السنوات الأخيرة في إطار التركيز على سياسات منافسة القوى العظمى، وانتقال مركز الاهتمام الأميركي إلى منطقة الإندوباسيفيك لمواجهة الصعود الصيني المتنامي، والتهديد الروسي للأمن الأوروبي، فإن الصين تتجه بقوة نحو المنطقة العربية منذ عدة سنوات إذ تنامى حضورها الاقتصادي بشكل لافت حتى أصبحت أكبر شريك تجارى وأكبر مستثمر في المنطقة، بينما يتراجع الغرب عن مشاركته الاقتصادية.

كما كثفت بكين مشاركتها الدبلوماسية في المنطقة، وعينت مبعوثين خاصين لقضايا مثل سوريا وليبيا واليمن والصراع العربي – الإسرائيلي وقضايا منطقة القرن الأفريقي، إلى جانب تكثيف مشاركتها العسكرية والأمنية في المنطقة، بدافع الرغبة في حماية مصالحها ومواطنيها، فضلا عن سعيها لتعزيز قوتها الناعمة في المنطقة.

ولاحظ أبوحوش أنه على الرغم من أن تصاعد حدة التنافس الصيني – الأميركي على المنطقة العربية سوف يتيح لدولها هامشا أكبر من الحركة والمناورة السياسية عبر تعزيز علاقاتها بأكثر من قوة كبرى ويوفر عددًا من الفرص منها كسر قيود القطبية الأحادية، وتنويع الشراكات المتوازنة بين المتنافسين، والاستفادة من موقف القوَّتين في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وتوفير ممول للتنمية في دول المنطقة.

وخلص إلى أن الصين لن توقف نمو علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة العربية، وستعمل على استكمال مشاريعها العملاقة، وأهمّها مشروع “الحزام والطريق”، الذي سيُحوِّل بكين عاجلًا أم آجلًا إلى قوَّةٍ أكثر تأثيرًا في السياسات الإقليمية والعالمية، وربما تنخرط في صفقات بيع السلاح والتكنولوجيا العسكرية، وتطوير وجودها العسكري، وهذا سيكون خصمًا من نفوذ الولايات المتحدة، ليس في المنطقة وحسب، ولكن من نفوذها ومكانتها على المستوى الدولي ككُلّ.
عن "العرب اللندنية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى