> "الأيام" العرب اللندنية:

أحيت تصريحات في فيديو أدلى بها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي بشأن اللجوء إلى صناديق الاقتراع لحسم حق الجنوب في الاستقلال جدلا قديما بين فريق يطالب بفك الارتباط بشكل مباشر وفرض الأمر الواقع على الفرقاء الشماليين بالقوة وبين فريق ثان يدعو إلى انفصال سلس عبر الاستفتاء وبشكل ديمقراطي، وإن كان هذا الخيار تحيط به الكثير من المطبات.

وفي تصريحات سابقة قال رئيس الانتقالي الجنوبي معددا الخيارات أمام الجنوبيين وبشكل ديمقراطي “استفتاء والشعب يختار وحدة أو دولة اتحادية أو عودة جمهورية اليمن الديمقراطية”.

ويرى المعارضون أن الجنوب لم يدخل الوحدة عن طريق الاستفتاء حتى يخرج منها بالاستفتاء، وأن القيادة الجنوبية بهذا المقترح تدخل نفسها في مسار يصعب الخروج منه، وأن نتائج الاستفتاء ليست مضمونة لاعتبارات بعضها يتعلق بالعملية الانتخابية وبعضها الآخر يتصل بالتركيبة السكانية لمحافظات الجنوب.

وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان سنة 2021 قال الرئيس عيدروس الزبيدي إنّ الاستفتاء سيظهر تأييد 90 في المئة لاستقلال الجنوب، وينبغي أن يتم حصرًا داخل الجنوب.

وقد تفضي الثقة العالية في نتيجة الاستفتاء إلى نتائج شبيهة باستفتاء كردستان العراق عام 2017؛ فرغم أن النتيجة كانت تدعم الاستقلال إلا أن الإقليم لم يستطع الاستفادة منها، بل بالعكس أثارت ضده حالة استنفار في المنطقة، ولم يحصل على دعم الدول التي ربما شجعته على اتخاذ هذه الخطوة، وخلقت النتيجة تعقيدات كثيرة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، وهو ما قد يتكرر مع استفتاء جنوب اليمن.

ولا يمتلك المجلس الانتقالي دراسة ضافية وتفصيلية عن سكان الأقاليم الجنوبية ليعتمد عليها في رهانه على الاستفتاء، وحتى إنْ سعى إلى ذلك تبقى المسألة معقدة في ظل حديث عن نزوح الملايين من الشماليين إلى الجنوب منذ الوحدة في 1994 وما قبلها ومعهم بطاقات هوية جنوبية.

ويعتقد المعارضون أن خيار الاستفتاء، بما يتبعه من جدل ونقاشات واتهامات متبادلة بين مختلف المكونات، قد يجعل الجنوب يفقد التحمس الشعبي للانفصال، خاصة في ظل الوضع الصعب في عدن نتيجة غياب الخدمات وضعف الإدارة والاتجاه إلى تحميل المجلس الانتقالي مسؤولية ذلك بسبب القبول بشراكة غير متكافئة ولا مفيدة.

وجعلت الشراكة الجنوبيين يشعرون بأن المجلس الانتقالي غير قادر على حل أزمات المحافظات الجنوبية دون الاحتماء بالشرعية والسعودية الداعمة المباشرة لاتفاق الرياض والسلطة المنبثقة عنه، وهو ما يجعل الناس مترددين في التصويت بنعم لخيار الانفصال.

وسيجد المجلس عراقيل من داخله ضد الاستفتاء، خاصة من قبَل كوادره ممن باتوا جزءا من الشرعية ويستفيدون من مزاياها المالية ومن الحظوة الاعتبارية كالحفاوة التي يحصلون عليها خلال زياراتهم الخارجية بصفتهم وزراء أو مسؤولين في الشرعية.

كما أن نقل مؤسسات من محافظات شمالية -بما في ذلك صنعاء- إلى عدن سيخلق بشكل طارئ نفوذا اقتصاديا وماليا وبشريا شماليا في عاصمة الجنوب يضفي شرعية على وجود هذا النفوذ تحت مظلة المصالح الاقتصادية، ما يعيق مساعي الاستفتاء.

ويفضل أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي مسارا آخر يقوم بشكل واضح على فض الشراكة القائمة مع الشرعية، وتحميلها فشل الخيار التوافقي سياسيا وشعبيا وعسكريا، فهذه الشراكة ظلت تراوح مكانها ولم تحقق شيئا يذكر في ملف الحوثيين، سلما أو حربا، وفشلت في تحسين الوضع المعيشي لليمنيين وخاصة في مناطق الجنوب، والعاصمة عدن بالذات.

ووجد المجلس الانتقالي نفسه في وضع حرج؛ فمن ناحية أولى لم يحقق رهانه على الشراكة، التي دخلها للاستفادة من فرص الدعم السعودي للشرعية، ما كان يهدف إليه. ومن ناحية ثانية ينتقده أنصار المجلس ويتهمونه بالتخلي عن مطالب الجنوبيين، وهو وضع وجد ما يبرره لاسيما في ظل عدم تحقيق الخدمات الضرورية لمناطق الجنوب.

وتصدّرت الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية في مناطق الجنوب خلال الفترة الأخيرة واجهة الخلافات بين المجلس الانتقالي وحكومة أحمد عوض بن مبارك، حيث أصبح المجلس يرى في فشل الحكومة في إدارة تلك الملفات عبئا سياسيا كبيرا عليه يجعله في وضع حرج إزاء جماهيره داخل مناطق نفوذه وعلى رأسها عدن عاصمة دولة الجنوب المنشودة.

وتساعد هذه المعطيات المجلس الانتقالي على اتخاذ قرار فك الارتباط مع مؤسسات الشرعية بشكل قاطع وحاسم، وربح الوقت في مهمة بناء مؤسسات الجنوب والتحرك لتحصيل الدعم الخارجي، بدلا من إضاعة الوقت في عملية سياسية تضع آخر اهتماماتها قضية الجنوب.

وخلال الفترة الماضية تعالت أصوات جنوبية مطالبة بفك الشراكة مع الشرعية في أقرب وقت ممكن، وبدا ذلك خاصة خلال إحياء الذكرى الرابعة والثلاثين لقيام الوحدة.

وقال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي إن المجلس لن ينتظر إلى ما لا نهاية، وإنه قد يراجع جميع قراراته إذا لم تسع الحكومة إلى حل مشكلة الخدمات في العاصمة عدن. وهو ما فُهم على أنه تلويح بالانسحاب من الشرعية اليمنية، بما في ذلك حكومة بن مبارك، ومن مجلس القيادة الرئاسي.