العقل اليمني ليس مجرد آلة تفكير، بل إرث متجذر في أعماق الحضارة، يحمل بين طياته حكمة الأجداد وصلابة الرجال ورؤية الأجيال. هو عقل صاغ تاريخا عريقا فشيد سد مأرب، وأقام ممالك سبأ وحِميَر، ورسم طريق التجارة العالمية قبل أن تُرسم الخرائط. ولكن، أين يقف هذا العقل اليوم..! هل أصبح كنزاً ضائعاً بين ركام الصراعات، أم أنه طاقة كامنة تنتظر لحظة الانفجار في وجه الجهل والتخلف. 

لم يكن اليمن يوماً عقيماً في العقول، فقد أنجبت هذه الأرض علماء ومفكرين، لكن التحدي لم يكن يوماً في الإنجاب، بل في الاحتضان والاستثمار. العقل اليمني عانى من التهميش، ليس لأنه غير قادر، بل لأن البيئة المحيطة به لم تعد تحتفي بالإبداع كما كانت تفعل الحضارات القديمة.

كل يوم يُهاجر آلاف اليمنيين بحثاً عن فرص تليق بقدراتهم، بينما من تبقى منهم يعاني الإقصاء أو يعمل في ظروف لا تليق بما يملكه من إمكانات. وهنا يكمن السؤال الجوهري.. كيف يمكن أن نصنع بيئة تحرر العقول بدلاً من أن تُكبلها.. 
في عالم يكافَأ فيه الإبداع، نجد أن اليمني عندما يفكر خارج الصندوق يصبح مشروعاً للإقصاء! كيف لأمة أن تتقدم وهي تخاف من عقولها وكيف لعقل أن يبدع وهو مهدد بالتهميش أو حتى التصفية المعنوية.. 
اليمن اليوم لا يحتاج إلى معجزة، بل إلى إرادة حقيقية لإعادة الاعتبار للعقل، ليتحول من ضحية إلى قائد، ومن تابع إلى صانع قرار. فالعقل اليمني الذي قاد الحضارات قادراً اليوم على قيادة النهضة، إذا ما وجد الاحتضان والتقدير.

الحل ليس شعاراً يُرفع، بل رؤية تُنفذ تحرير العقول من قيود التبعية والتقليد الأعمى وإعادة الاعتبار للعلم بعيد عن الوساطات والبحث والتطوير كأولوية وطنية وخلق بيئة تُقدر العقول بدلاً من أن تحاربها.
إعلاء قيمة الإنسان اليمني كأهم ثروة وطنية. وعلينا ان ندرك ان اليمن لن يُبنى بالحجر فقط، بل بالعقل الذي يحرك هذا الحجر، فلا حضارة بدون فكر، ولا نهضة بدون عقول تمنح الفرصة لتبدع.
فمتى ندرك أن معركتنا الحقيقية ليست في الميدان فقط، بل في العقول التي إن أُطلقت، ستعيد لليمن مجده.