في اليمن الذي مزقته الحرب، يقف الواقع المأساوي للشعب كشاهد على العواقب المدمرة للاضطرابات السياسية والانهيار الاقتصادي. وبينما تتصارع البلاد مع عاصفة كاملة من النزاعات والمجاعة والفقر، يحتدم النقاش حول: أين تكمن المشكلة الحقيقية ــ في السياسة أم في الاقتصاد؟ والأهم من ذلك، هل يستطيع أي منهما أن يقدم حلًا للآخر؟
ولا يمكن إنكار الأزمات الاقتصادية في اليمن، حيث دفع انهيار العملة وارتفاع معدلات التضخم وانتشار الفقر تحت أقدام الملايين إلى حافة الموت. ولم يؤد نقص الاستثمار في القطاعات الرئيسية مثل الزراعة والصناعة والبنية التحتية إلا إلى تفاقم هذه القضايا، ما خلق حلقة مفرغة من الاضطرابات التي تهدد بابتلاع البلاد بأكملها. ولكن هل هذا الكابوس الاقتصادي ناجم فقط عن الخلل السياسي أم أن العكس هو الصحيح؟
يقول النقاد إن الأنظمة السياسية الحالية في اليمن لعبت دورًا هامًا في دفع البلاد نحو الخراب الاقتصادي. وقد أدى الصراع المستمر على السلطة، والفساد المستشري، والافتقار إلى الحكم الفعال، إلى استنزاف الموارد بعيدًا عن مبادرات التنمية الاقتصادية الحاسمة، ما ترك المواطنين يعانون من العواقب. إن تخصيص الأموال للأغراض العسكرية، إلى جانب الفشل في تنفيذ الإصلاحات الضرورية، لم يؤدِ إلا إلى تعميق المستنقع الاقتصادي في اليمن.
وعلى العكس من ذلك، يؤكد أنصار النهج المرتكز على الاقتصاد أن السبب الجذري لمشاكل اليمن يكمن في اقتصادها الهش. وقد أدى الافتقار إلى الاستثمار، وارتفاع معدلات البطالة، وتصاعد مستويات الفقر إلى خلق أرض خصبة للاضطرابات والخلافات السياسية. بينما سمح لها الفشل في معالجة هذه التحديات الاقتصادية بشكل مباشر بالتفاقم وتأجيج نيران الاضطرابات السياسية في البلاد. وفي خضم هذه الشبكة المعقدة من القضايا، فإن الحل عسكري للأزمة اليمنية لم يؤدِ إلا إلى صب الزيت على النار. وقد أظهر التاريخ مرارًا وتكرارًا أن التدخلات العسكرية غالبًا ما تؤدي إلى تفاقم الصراعات القائمة ولا تفعل شيئا يذكر لمعالجة الأسباب الكامنة وراء عدم الاستقرار. إن الاعتماد المستمر على القوة العسكرية كعلاج سحري لمشاكل اليمن لم يؤدِ إلا إلى تعقيد الأمور بشكل أكبر، ما دفع البلاد إلى مزيد من الفوضى.
أين تكمن المشكلة الحقيقية إذن ـ في السياسة أم في الاقتصاد؟ والحقيقة هي أن الاثنين لا ينفصلان. حيث ترتبط المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها اليمن ارتباطًا وثيقًا بالخلل السياسي الذي يعاني منه، تمامًا كما تتغذى الاضطرابات السياسية على سوء الإدارة الاقتصادية. وللتحرر من هذه الحلقة المفرغة، يجب على اليمن أن يتبنى نهجًا شاملًا يعالج بعدي الأزمة.
للمضي قدمًا، يجب على اليمن إعطاء الأولوية للحكم الرشيد والشفافية والمساءلة لضمان تخصيص الموارد بكفاءة وفعالية. وفي الوقت نفسه، تعد الاستثمارات في القطاعات الرئيسية مثل الزراعة والتعليم والرعاية الصحية ضرورية لتحفيز النمو الاقتصادي والتخفيف من حدة الفقر.
ومع استمرار اليمن في الإبحار في المياه المضطربة، من الضروري أن يدرك القادة وصناع السياسات الطبيعة المترابطة للتحديات التي تواجهها البلاد وأن يعملوا على إيجاد حلول شاملة تعالج الأبعاد السياسية والاقتصادية للأزمة. فقط من خلال الجهود المتضافرة لمعالجة هذه القضايا بشكل مباشر يمكن لليمن أن يأمل في الخروج من الاضطرابات الحالية وبناء مستقبل مستقر ومزدهر للشعب.