كنت أظن أن الكتابة عن صديق العمر أ د. أنيس مسالة عصيبة جداً لأنني أنا مفكرته اليومية وهو مفكرتي اليومية والأشد صعوبة من أين نبتدئ الحكاية.
الحديث عن الفقيد أ د. أنيس يوسف علي لقمان أنه شخصية متفتحة وشفافة ومميزة وصادقة، وأخونا وصديقنا الفقيد من مواليد حافة حسين في مدينة كريتر بمديرية صيرة في العاصمة عدن عام (1954)، درس الابتدائية في مدرسة الخساف ثم أكمل في إعدادية كريتر ومن ثم انتقل إلي مرحلة الثانوية واجتازها بمستوى ممتاز ثم سافر إلى موسكو في الاتحاد السوفييتي السابق عام 1980 لإكمال دراسته الجامعية في مجال الهندسة المدنية وتدرج فيها من البكالوريوس والماجستير والدكتوراه بنجاح باهر عام 1985من المعهد العالي للهندسة المدنية والمعمارية في موسكو والتخصص الدقيق هندسة بيئية، عاد إلى محبوبته عدن وعمل كمدير لمديرية البريقة منطقة الشعب كمهندس (المياه والبيئة) ثم التحق في جامعة عدن ليحصل على الدرجة العلمية (أستاذ مشارك) وكان مشرفاً علمياً للعديد من طلاب (الماجستير والدكتوراه) بكليات الهندسة المدنية في الداخل والخارج، وقد رافقته في مدينة بغداد أنا وصديقنا طيب الله ثراه د. خالد محمد عثمان دولة في أكثر من مناقشة في بغداد والموصل عام (2000-2001).

أ د. أنيس لقمان
تزوج في موسكو وخلف ابنتين هناك ورافقتاه إلى عدن وعاشتا معه في ڤيلا منحتها إياها الدولة في منطقة الشعب ولكنهن عدن إلى بلادهن (موسكو) وكان على تواصل دائم معهن، ثم تزوج من (إحدى أهم الكوادر القيادية في شركة اليمنية) وخلف خالد الذي توفي في بغداد وأيضاً خلف أحمد هنا في عدن.
التحق مبكراً في تنظيم جبهة التحرير (Flosy) وشارك في صفوفها وبالتحديد في فرقة المغاوير مع الشهيد حيدر شمشير وفيصل علس وتحديداً كان نضالهم مكلفين في حافة حسين آنذاك.
شارك في حرب (1994) ضد العدوان الشمالي الهمجي وكان عضواً في اللجنة العليا للدفاع والصمود والتصدي، وكان عضواً في مجلس (أعيان عدن) وكنت من ضمنهم مع العميد بيومي مراد حسن وشيخ السيد زين العيدروس وأخي محمد حسن مكاوي والبعض لا تحضرني الآن أسماؤهم، ورفض هذا المجلس ضرب مدينة عدن وتدميرها بالمدفعية الثقيلة والدبابات وقبل التسليم سلمياً وبهدوء بعد استسلام كل مديريات العاصمة عدن في عام 1994، وتحمل الفقيد المسؤولية القيادية في منظمة (تاج) بكل احترافية سياسية وحنكة قيادية.
وفي عام (2003) أنظم إلى جمعية خليج عدن التنموية الاجتماعية الخيرية برئاسة د. جواد حسن حسين مكاوي والفقيد الأمين العام فيها حتى يوم وفاته، وفي عام (2007) تم تشكيل الحراك الجنوبي والتحق فيه مواصلاً الكفاح المسلح حتى تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي واختير نائباً لرئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي القائد اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، ويعتبر بكل المقاييس أحد أعمدة مؤسسي الجمعية الوطنية إلى جانب د. أحمد باراس وكاتب هذه السطور تحت إشراف القائد اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك حفظه الله ورعاه، ولذا الفقيد جوانب حياتية خاصة لا يعرفها عنه سواي لمرافقته لأكثر من ثلاثين عاماً.
كان الفقيد فناناً ذو حس فني راقٍ جداً وكان صديقاً حميماً للأستاذ جعفر مرشد المعروف (فنيا ورياضياً) وقد تعرفت على الفقيد د. أنيس لأول مرة في عام 1988 في إحدى الجلسات الخاصة في البريقة التي يحييها الفنان الكبير أحمد بن أحمد قاسم وأتذكر الأغنية الجديدة التي أحب أن يسمعها لمحبي فنه واسمها (حبيبي يا كبير القلب)، ويملك الفقيد ثروة فنية من الأغاني الشهيرة العدنية الجنوبية لأشهر الفنانين والفنانات بصوت واضح محفوظة في فلاش وتتراوح عددها ما بين (50-70) أغنية بدقة عالية الجودة وقيمتها لا تقدر بثمن.
كلمته مرة ونحن مخزنون في بيته بشارع الزعفران ونحن نستمع إليها وبصحبتنا الدائمة الفقيد د. خالد دولة، لو طلبت منك إذاعة عدن بعد تدميرها وإتلافها وسرقة محتوياتها أن تتعاون معها وتمدها بالأغاني الشهيرة العدنية فوافق على الفور وقال مجاناً.
كان الفقيد اجتماعياً وله من العلاقات مع الشخصيات العامة والخاصة الشيء الكثير.. ذهبت برفقته إلى منتدى صحيفة "الأيام" ومنتدى اليابلي ومنتدى المهندس بدر ناجي في خور مكسر ومنتدى نقابات جامعة عدن ومنتدى العيدروس وعند أعيان وشخصيات عدن الشهيرة مثل الفقيد جعفر مرشد والفقيد محمود عراسي والأستاذ بلال غلام وكثير من مبارز عدن المعروفة.
أما الجانب العلمي فقد عمل بكل نشاط وهمة ضمن الجامعة وخارجها بالعديد من الدراسات والبحوث العلمية لتطوير التعليم الجامعي من ناحية وتحديد مسار السيول والأمطار وتسخير الإمكانات المتاحة لإنقاذ مدينة كريتر من السيول والأمطار الغزيرة ودراسة خاصة عن منطقة الصهاريج وجبل الفرس بالمشاركة مع أ د. محمد حمود أحمد قاسم، وأ د. رجاء باطويل ودراسة غير منشورة حول استغلال الطبقة العلوية من مخلفات الإنسان في استخراج أغلى مواد التجميل النسوي وأعلاها ثمناً، والعديد من الدراسات والبحوث العلمية لتطوير مدينة عدن، إضافة إلى استخدام ذكائه في إصلاح بعض الأجهزة وترميم المنازل وطريقة تروية الحدائق العامة والخاصة بالمياه النظيفة من خلال استغلال ماء المطبخ وما شابهه في تسقية الأشجار في الحدائق المنزلية الخاصة.
وفي حرب عام 2015م لم ينزح أو يترك منزله هو وأسرته رغم الإغراءات الكبيرة التي عرضت عليه وغياب الخدمات كلها عن مديرية صيرة وكان يتواصل مع الأصدقاء من منطقة صيرة معرضا حياته للخطر والموت والهلاك من أجل الاطمئنان على سلامة أصدقائه النازحين، وتعرض لكل أنواع المعاناة من المرض من جهة ومن جهة أخرى انعدام المواد الغذائية والكهرباء ومياه الشرب وسلوك الحوثة المغتصبين في شوارع مدينة عدن، أما قيادته الحكيمة في الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي وخاصة في غياب القائد اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك كانت هي أشد صعوبة وأحلك الظروف المحيطة بالمجلس ولكنه تحمل المسؤولية كاملة باقتدار وحكمة، ولولا المرض لكان حاله أفضل في تقديم الخدمات لكل من يطلبها منه دون مقابل أو ملل أو كسل.
كان رحمه الله حساس ورقيق المشاعر حتى في منزله عندما يصرخ على ولده أحمد.. كان يقهر وتدمع عينيه ويقوم باحتضان ولده بحرارة شديدة كان رحمه الله علاقته بأسرته شديدة الترابط الأسرية.
فالحديث عنه حديث يطول ولن ينتهي لأنه يحمل الشخصية المتكاملة والشاملة في الحياة الإنسانية بكل جوانب الحياة المعيشية والمجتمعية أكانت شخصية خاصة أو شخصية عامة في المجتمع.