الأحد, 04 مايو 2025
45
في مسرحية الحياة السياسية للشرعية اليمنية، يبدو أن"المختار" المحلي قد قرأ نص مسرحية "ضيعة تشرين" بحرفية مُذهلة، لكنه أضاف لمسة عصرية، لم يكتفِ بتبديل مقاعد مسؤول المالية مع خبّاز الطابون والعكس، بل حوّل الحكومة إلى كشك مرايا تلمع فيها الأوهام بينما الواقع يُسحق تحت أقدام الكومبارس. يا لها من عبقرية! فبدلًا من حل أزمة الخدمات، قرر القادة أن يصنعوا للشعب خدمات من وعود، مع إطلاق تصريحات إعلامية "تريند"، لا يسمعها ولا يقرأها المواطن المحروم من الكهرباء، يكفي أن نعلم أن المواطن صار يبلع جوعه ويقاسي معاناته اليومية من الحصول على الخدمات مع كأس الشعارات الفارغة!
مرت عشر سنوات، وتغير عدد من رؤساء حكومات أو ربما تبادلوا الكراسي؟ من يحتفظ بعددهم بين انقطاع الكهرباء وانهيار العملة؟. على طريقة الشرعية كل تغيير ثوري جديد يُعلن بزهو، كأنهم يغنون: هزّينا الكراسي.. جربوا حظكم! لكن الكرسي الوحيد الذي لم يهتز هو كرسي الأزمات: اقتصاد ينزف، خدمات مدمرة وجوعى يزدادون، وصراعات تُدار كمسلسل تركي بتمويل إخواني. السؤال المحير: هل التغيير يعني في الشرعية اليمنية أن تُعيد توزيع الفشل على وجوه جديدة قديمة؟
بينما يُنشئ مختار الضيعة في مسرحية تشرين قصرًا جديدًا نزولًا عند رغبة المواطنين في التغيير طالما العبرة بالشكل لا المضمون!، ويُغيّر تصفيفة شعره من اليسار إلى اليمين كإشارة مرور عالقة بين الحرب والسلام، يكتشف المواطن أن الثورة الوحيدة التي نجحت هي ثورة سعر الدولار في السوق السوداء. أما الإصلاح الهيكلي (عاد النجد قدامه حُسرْ وجبال يا مصعب مناله)، فقد تحول إلى لعبة هيكل عظمي، كلما حاولوا إصلاح جزء منه، طاحت أطرافه.
المشهد الأكثر سخرية هو أن منظومة الفساد واللامسؤولية نفسها صارت تُقلد الفن: فمسرحية تبديل الكراسي صارت أكثر إثارة من مسلسلات رمضان. كل رئيس حكومة جديد يظهر كـ"بطل خارق"، لكن قدرته الوحيدة هي الاختفاء ثم الاختفاء بعد أشهر، تاركًا وراءه ركامًا من التساؤلات: هل كان وجوده خيالًا؟ أم أننا نحن نحتاج نظارات جديدة لرؤية الإصلاح؟
الحقيقة المرة هي أن اللعبة لن تتغير طالما ظل المخرجون الخفيّون (الفساد، التدخلات الخارجية، غياب الرؤية) يمسكون بالنص. التغيير الحقيقي يحتاج أكثر من مجرد تغيير قصة شعر المختار أو وزيرًا يعد بمحاربة الفساد بينما حساباته البنكية تكذب ذلك، ما نحتاجه ليس مجرد كلمة تُكتب في الخطابات، بل أن تٌهدم القصور الفاخرة وتسترد الأموال المنهوبة لبناء مدارس وتوفير خدمات تليق بإنسان المواطن.
فهل نستيقظ من كوميديا مسرحية ضيعة تشرين الشرعية، أم سنظل نضحك على أنفسنا حتى تنفد آخر حبات الدقيق من رحانا… والذكريات؟