الأحد, 01 يونيو 2025
1,137
في خضم ما يُثار في منصات التواصل الاجتماعي وبعض الخطابات الإعلامية، تتردد عبارة مثيرة للقلق مفادها أن “اليمن بلد واقع تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”. وتتخذ هذه المقولة طابعًا دراماتيكيًا يُوحي بأن البلاد باتت منزوعَة السيادة، خاضعة لوصاية دولية، أو على أعتاب تدخل أممي مباشر. غير أن هذه القراءة، وإن استندت إلى مفردات قانونية حقيقية، تُجانب الصواب في جوهرها، وتنطوي على تبسيط مخل وسوء فهم عميق لطبيعة الفصل السابع ومضامين قرارات مجلس الأمن المتعلقة باليمن.
الفصل السابع: أداة قانونية وليست حكمًا على الدول
الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (المواد 39 إلى 51) ليس “وصمة” تُلصق بالدول، بل هو إطار قانوني يمكّن مجلس الأمن من اتخاذ إجراءات ملزمة إذا رأى أن ثمة تهديدًا للسلم أو إخلالًا به أو وقوعًا لعدوان. وتتراوح هذه الإجراءات بين العقوبات الاقتصادية والمالية، وقطع العلاقات، وصولًا إلى استخدام القوة العسكرية إن استدعت الضرورة.
لكن الأهم من ذلك أن الفصل السابع لا يُطبّق على الدول ككيانات، بل تُستخدم سلطاته في إصدار قرارات موجهة لحالات أو أطراف بعينها تهدد السلم الدولي. القول إن “الدولة تحت الفصل السابع” لا وجود له في الصياغة القانونية الأممية الدقيقة.
اليمن وقرارات مجلس الأمن: سردية يجب تصويبها
نعم، اليمن كان موضوعًا لعدة قرارات صادرة من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وذلك في سياق تدهور الوضع السياسي والأمني، وخصوصًا بعد انقلاب الحوثيين في سبتمبر 2014. من بين أبرز هذه القرارات:
• القرار 2014 (2011): دعم المبادرة الخليجية ودعا إلى انتقال سلمي للسلطة
• القرار 2140 (2014): فرض عقوبات على معرقلي العملية السياسية، وأنشأ لجنة للعقوبات وفريقًا للخبراء.
• القرار 2216 (2015): أبرز القرارات، وطالب الحوثيين بالانسحاب من مؤسسات الدولة وتسليم السلاح، وفرض حظرًا على توريد الأسلحة لهم، وأدرج قيادات ضمن قائمة العقوبات.
كما صدرت قرارات لاحقة لتجديد العقوبات وتمديد عمل فريق الخبراء، مثل القرارات 2266 و2402 و2624 و2675، وجميعها تستند إلى سلطات الفصل السابع، لكنها لا تُنزل باليمن كدولة أي توصيف خارج عن سيادتها القانونية.
هل اليمن فاقد للسيادة فعلًا؟
جوهر الخلل في هذه المغالطة هو الظن بأن صدور قرارات تحت الفصل السابع يعني أن البلد بأسره قد خضع لوصاية دولية أو بات “دولة خارجة عن القانون الدولي”. والحقيقة أن اليمن، برغم الانقسام والاضطراب، لم تُلغَ سيادته، ولم يُسلَّم أمره إلى مجلس الأمن، ولم تُنشأ فيه سلطة أممية بديلة.
الدليل على ذلك أن جميع قرارات مجلس الأمن تؤكد على دعم الحكومة الشرعية، ووحدة اليمن وسلامة أراضيه، ولم تُنصّب أي إدارة دولية بديلة، كما حدث مثلًا في كوسوفو أو تيمور الشرقية، ولم يُنشر في أراضيه أي قوات أممية لإدارة شؤونه، كما حدث في البوسنة أو رواندا.
بل إن التحرك العسكري الذي حصل (عبر التحالف العربي) لم يكن قرارًا أمميًا مباشرًا، بل جاء استجابةً لطلب الحكومة الشرعية، ولم يصدر أي تفويض باستخدام القوة بموجب المادة 42 كما حصل في ليبيا أو العراق.
الحقيقة القانونية والسياسية
اليمن اليوم يخضع لقرارات دولية مُلزمة تتعلق بأطراف داخله، لكنه ليس دولة فاقدة للسيادة، ولا خاضعة لسلطة مجلس الأمن ككيان كامل. الفرق جوهري بين أن تُصدر الأمم المتحدة قرارًا تحت الفصل السابع متعلقًا بجهة معينة داخل البلد، وبين أن تكون الدولة نفسها قد وُضعت تحت وصاية أو إدارة أممية.
فلنُحسن استخدام المصطلحات
إن اللغة القانونية ليست حقلًا للبلاغة الشعبوية. والتمييز بين قرار صادر تحت الفصل السابع و”وضع دولة تحت الفصل السابع” ليس ترفًا لغويًا، بل هو مسألة جوهرية تمس الفهم العام للسيادة، والشرعية، والقانون الدولي.
نعم، اليمن في قلب أزمة مركبة، لكن الدولة اليمنية ما زالت موجودة على خريطة الشرعية الدولية، وتحظى باعتراف الأمم المتحدة، وتخضع لقرارات دولية تُصوّب مسار استعادتها، لا لقرارات تنزع عنها حق الوجود.