مع استمرار الحرب على غزة وتزايد تعقيد المشهد السياسي الإقليمي، بدأت تلوح في الأفق إشارات على فتور غير معلن في العلاقة التقليدية الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة، التي لمح فيها إلى إحياء خطة سلام طُرحت خلال ولاية ترامب الأولى (2017–2021) ضمن شروط إنهاء الحرب، أثارت ردود فعل غاضبة من جانب قوى المقاومة، التي طالبت واشنطن بتوضيح موقفها بصفتها الراعي المفترض لأي تسوية.

وبالرغم من أن تلك الخطة لم تُطرح رسميًا من جديد، فإن إشارتها وحدها كانت كافية لإثارة الريبة، خاصة وأنها اقترنت تاريخيًا بمقترحات مثيرة للجدل تتعلق بإعادة توطين سكان غزة. ومن اللافت أن الرئيس ترامب نفسه، وفي مناسبات لاحقة، حرص على النأي بنفسه عن بعض تلك التصورات، في ما يبدو كمحاولة لعدم التورط مجددًا في تداعياتها.
  • انزياح في أولويات التواصل
ضمن هذا السياق، برزت زيارة ترامب الأخيرة إلى عدد من العواصم الخليجية – دون أن تشمل إسرائيل – كإشارة محتملة إلى إعادة ترتيب في أولويات التواصل الإقليمي. وبينما قرأ البعض ذلك كرسالة سياسية غير مباشرة لنتنياهو، رآه آخرون انعكاسًا لتبدل في موازين التركيز الأميركي، دون أن يعني ذلك بالضرورة تغيرًا في جوهر العلاقة.

وتعززت هذه القراءة بتقارير تحدثت عن احتمال استقبال واشنطن لشخصيات إسرائيلية معارضة لنتنياهو، ما قد يشير إلى رغبة أميركية في تنويع قنوات الاتصال داخل إسرائيل، بما يعكس مقاربة أقل تمحورًا حول فرد بعينه.
  • اتصالات جديدة بلا تنسيق تقليدي
الأكثر دلالة هو ما تسرب عن قنوات تواصل غير معلنة مع أطراف إقليمية مثل إيران والحوثيين وحتى حماس، بهدف التهدئة. هذه الاتصالات، التي لم تنسق مسبقًا مع إسرائيل، قد تعكس توجهاً أميركياً لتوسيع هوامش التحرك الدبلوماسي بمعزل عن التنسيق المطلق مع تل أبيب. ومع ذلك، من السابق لأوانه اعتبارها تحوّلًا استراتيجيًا، إذ قد تكون خطوات تكتيكية ظرفية في سياق إدارة التصعيد.
  • ملف غزة وضغوط داخلية وخارجية
في ملف غزة، تتزايد المؤشرات على أن واشنطن تُمارس ضغطًا متناميًا على الحكومة الإسرائيلية من أجل وقف العمليات العسكرية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. ويُعتقد أن مبعوثين أميركيين، أبرزهم ستيف ويتكوف، اضطلعوا بأدوار أساسية في محاولات التهدئة، رغم التباينات الظاهرة مع الجانب الإسرائيلي.

وفي خطوة رمزية لافتة، ألغى نائب الرئيس الأميركي جيه. دي. فانس زيارة كانت مقررة لإسرائيل خلال التصعيد، في ما اعتبره مراقبون رسالة تحفظ ضمنية على سياسات نتنياهو. وزاد من هذا الانطباع تصريح علني أشار فيه إلى أن “مصالح الولايات المتحدة لا تتطابق دائمًا مع مصالح حلفائها”، وهو ما يعكس تنامي اتجاه داخل الإدارة الأميركية يميل نحو مقاربة واقعية أكثر استقلالًا في السياسة الخارجية.
  • من التحالف المطلق إلى التقييم المشروط
هذه التطورات لا تعني بالضرورة قطيعة مع إسرائيل، بل تشير إلى تحول تدريجي نحو إدارة العلاقة بأسلوب أكثر واقعية، حيث تُقيّم التحركات الإسرائيلية بميزان المصالح الأميركية المباشرة، وليس بمنطق التحالف المطلق.

إن واشنطن، وسط تحولات إقليمية متسارعة، باتت تميل إلى إعادة تموضع تكتيكي يتيح لها التحرك بحرية أكبر في بيئة غير مستقرة. وفي حين تبقى العلاقة مع إسرائيل ركيزة استراتيجية، إلا أنها تخضع الآن لمراجعة أكثر هدوءً، تأخذ في الحسبان تآكل الإجماع الداخلي في إسرائيل، وتعدد مراكز التأثير في الإقليم، واعتبارات السياسة الداخلية الأميركية.