الأربعاء, 28 مايو 2025
560
يبدو أن بعض النخب الشمالية، ممن ما يزالون يحلمون بوحدة 1990، لم يعودوا يؤمنون بها إلا إذا جاءت على ظهور ميليشيا مران.
لا مانع لديهم أن يدوس هذا"المنقذ" على رقابهم ما دام سيحمل في جيبه شهادة حياة جديدة لكيان سياسي مات وشبع موتاً، وأقيمت عليه كل طقوس الفشل الوطني.
هؤلاء، إن أمعنت النظر في تفكيرهم، لا يريدون جنوبًا شريكًا في وطن، بل جنوبًا شريكًا في الذل. يريدوننا أن نرتدي ذات الكفن، وأن نلطم معهم على ماضٍ تولى، لا لشيء، سوى أن نتساوى معهم في قهرهم الذي صدّروه لنا، ثم عاد إليهم بثوب حوثي أنيق.
لماذا لا يتفرغ هؤلاء لحل مشكلتهم مع الميليشيا التي التهمت جمهوريتهم، وابتلعت كل آمالهم وأمانيهم، وجعلتهم أسرى الهاشمية السياسية؟ لماذا كلما ضاقت بهم الأرض، نظروا إلى الجنوب كمشروع خلاص مؤقت، أو حائط مبكى؟ حتى النخب التي كانت تتشدق بالشرعية، بدأت تستجدي "سيد الكهف" كي يمد سلطانه إلى عدن، فقط لنشرب من ذات كأس المرارة، ونقتسم معهم جغرافيا الخنوع.
عشر سنوات مرت ولم يتحرك لهم ساكن، ولم يرمش لهم جفن، ظلوا، و لازالوا ينتظرون الجنوب كي يفتح لهم أبواب التحرير، كمن ينتظر الغيث من سحابة شتوية في صيف ملتهب.
وحين طال بهم الانتظار، صاروا عبئًا إضافيًا على الجنوب،"داخلين بالفائدة، خارجين من الخسارة"، كما نقولها نحن بلا تكلف.
أي منطق ذاك الذي يجعل إنسانًا يصرّ على البقاء في أرض تلفظه؟ أي كرامة هذه التي لا تهتز أمام الإهانة؟ أي وطن يُراد له أن يبقى موحداً بمدافع الحوثي وكراهية الآخر؟ كل ذلك ليس سوى هدرًا للكرامة، واستثمار خاسر في وطن لم يعد يسع الجميع.
الإصرار على أن "اليمن واحد" بات ضربًا من العبث، ومضيعة للوقت. فكرة الوحدة اليوم ليست سوى فتنة مؤجلة، تنتظر توقيت الانفجار القادم، وما أحوجنا، بدلًا من هذا التزييف المقيت، إلى مشروع تعايش حقيقي بين جارين تربطهما الجغرافيا والمصير، لا الأوهام السياسية.
أما من يحدثك عن"وحدة القلوب" فهو إما شاعر حالم أو سياسي مفلس.
وحدة القلوب لا تُبنى فوق أنقاض وطن فاشل، ولا تُخاط بها جراح الشعوب. الوحدة الحقيقية تبدأ من احترام الآخر، ومن الاعتراف بأن الجنوب ليس تابعاً ولا رهينة، بل شعبٌ يستحق الحياة، كما أرادها ذات يوم، حرًا، كريمًا، سيدًا على أرضه.
فهل من متعظ؟
أم أن القوم قرروا ألا يسمعوا إلا صوت البندقية، حتى لو كانت حوثية الهوى والانتماء؟