الجمعة, 20 يونيو 2025
266
في تاريخ المنطقة، كثيرًا ما ارتبط سقوط نظام مركزي كبير بحدوث اضطرابات سياسية وأمنية واسعة، وغالبًا ما يُنظر إلى هذه الاضطرابات بوصفها تهديدات. لكن خلف هذه الصورة المألوفة، هناك جوانب أخرى لا تُناقش كثيرًا وهي الفرص التي تخلقها مثل هذه اللحظات المفصلية.
اليوم، تقف المنطقة على أعتاب تحولات كبرى. بعض الأنظمة بدأت تترنح، وقوى إقليمية تعيد ترتيب أوراقها، فيما تتغير قواعد الاشتباك والنفوذ من الخليج العربي إلى البحر الأحمر، ومن إيران إلى اليمن وسوريا. في خضم هذا المشهد، ليس الجنوب استثناءً، بل ربما يكون في قلب التغيير، إن أراد.
الجنوب الذي ظل لسنوات يدفع كلفة التهميش، وتبِعات صراع لا يعنيه يبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى لحظة مفصلية في تاريخه. لكنّ السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لهذه اللحظة؟
ليس المطلوب أن ننتظر حتى تكتمل ملامح التحولات، بل أن نقرأها قبل أن تكتمل، وأن نُعدّ أنفسنا لها، ليس بمنطق ردّ الفعل اللحظي، بل بعقلية استراتيجية تدرك أن السياسة لا تنتظر المترددين، وأن الفُرص لا تمنح بل تُنتزع.
في الجنوب، بات واضحًا أن ما يُسمى بالشرعية لم يعد لها موطئ قدم حقيقي وميداني إلا بالقدر الذي تسمح لها القوى العسكرية المتحكمة في الجنوب ومأرب وتعز والساحل الغربي. والحوثي من جهة أخرى لا يملك مشروعًا قابلًا للحياة خارج الجغرافيا التي يسيطر عليها بالقوة. أما القوى الإقليمية والدولية، فهي تتعامل ببراغماتية باردة، تبحث عن من يمثل الاستقرار لا عن من يرفع الشعارات.
هنا تبرز الحاجة لبناء أدواتنا السياسية بوعي ومسؤولية.
أن تكون لنا مؤسسات موحدة، وخطاب ناضج، وتحالفات متوازنة لا تخضع للابتزاز، ولا تسعى للوصاية.
نحتاج إلى تجاوز مرحلة التلقي واستماع النصائح إلى مرحلة المبادرة، أي أن نتحدث للعالم بلغة المصالح، لا بلغة الشكوى. أن نُري الداخل والخارج معًا أن لدينا نموذجًا ممكنًا للحكم والإدارة والتنمية، لا مجرد قضية مؤجلة تنتظر التفاوض، فالخطر الحقيقي ليس فيما يجري خارج الجنوب، بل في أن نفوّت اللحظة مرة أخرى.
التاريخ لا يعيد نفسه بنفس الطريقة، لكنه كثيرًا ما يُعطي فرصًا جديدة لمن استوعب دروسه. فهل نملك الشجاعة والرؤية لنكون جزءًا من كتابة فصل جديد من تاريخ هذه الأرض الجنوبية؟
الجنوب ليس عابرًا في الجغرافيا ولا طارئًا في السياسة.
هو حاضرٌ قديمٌ، وفرصةٌ جديدةٌ.. تنتظر من يلتقطها.