حان انطلاق بقية القطارات العربية

> عبدالعزيز يحيى عمر

> الاستقالة أو بالأصح (الإقالة) التي تمت للحكومة اللبنانية التي يرأسها عمر كرامي في المجلس النيابي في يوم الاثنين الموافق 28/2/2005م، تعد بكل المقاييس انتصاراً تاريخياً عظيماً للشعب اللبناني وقواه المعارضة سيكتبه التاريخ بأحرف من النور في سجلاته، كونه يعد التغيير الأول الذي يتم بطريقة ديمقراطية سلميةبفضل قيام أغلبية أبناء الشعب اللبناني بالتظاهر والاعتصام تأييداً للمطالب العديدة لقوى المعارضة ومنها استقالة الحكومة، رغم تلميح وزير الداخلية سليمان فرنجية في البدء باستخدام القوة لعرقلة التظاهرات، ومن ثم الإعلان رسمياً عن منع التجمع قبل يوم واحد من عقد المجلس النيابي الجلسة الخاصة بمناقشة الطلب الذي تقدمت به المعارضة والمتعلق بسحب الثقة من الحكومة.

وإذا كانت هناك أسباب وعوامل وظروف عديدة وكثيرة أدت بأغلبية اللبنانيين وقوى المعارضة الوقوف ضد السلطة القائمة ومطالبتها بإقالة حكومتها، فلا شك أن عملية اغتيال شخصية مهمة وعظيمة وكبيرة لها مكانتها وثقلها وسمعتها لبنانياً وعربياً ودولياً كالشهيد (رفيق بهاء الدين الحريري) ، كان السبب الأهم والأبرز الذي جعل اللبنانيين يعجلون بتبني جملة من المطالب ومنها استقالة الحكومة، وينجحون في تحقيق ذلك وبتلك السرعة.

وقد برهن هذا الانتصار العظيم للشعب اللبناني على أن الديمقراطية تعد الوعاء الصالح الذي بدونه يتعذّر على القوى والجماعات والأفراد إيجاد حالات من الانصهار والتجانس والتوافق والتقارب لآرائهم وأفكارهم وتصوراتهم ذات النفع والفائدة للغالبية العظمى من الناس، فلولا تمسك كل قوى المعارضة اللبنانية بالديمقراطية منهجاً ووسيلة وأسلوباً لخوض نضالها ضد السلطة وطرح قضاياها ومطالبها لما تمكنت قواها، على اختلاف مشاربها ومذاهبها ومعتقداتها الدينية والمذهبية والطائفية والسياسية والفكرية.. الخ، من الاتفاق على أهداف مشتركة محددة وواضحة، ولا على الوسائل والطرق المناسبة والصحيحة لتحقيقها وتنفيذها، ولما التف حولها وساندها وأيدها غالبية الشعب اللبناني بتنوعاته المطابقة تماماً لتنوعات قواه المعارضة.

وإذا كانت التأثيرات الإيجابية لهذا النصر العظيم ستمتد لتشمل تقريباً كل القضايا والمطالب المشروعة للغالبية العظمى من أبناء الشعب اللبناني، فإنها في الوقت ذاته ستمتد لتشمل كل المجتمعات العربية، وإن بدرجات وأوقات متفاوتة، كونها شكلت (النموذج الإيجابي) - حسب تعبير د . محمد علي السقاف - الذي ستحتذي به الجماهير العربية للقيام بالتغيير المطلوب في بلدانها.

وهنا علينا الإشارة إلى أن الرئيس المصري حسني مبارك يعد أول رئيس عربي أدرك وبصورة سريعة أن ما يقوم به الشعب اللبناني وقواه سيكلل بالنجاح، وأن تأثيرات ذلك النجاج ستمتد إلى خارج لبنان، ولعلنا نجد في تقدمه يوم السبت الموافق 26/2/2005م بطلب إلى مجلسي الشعب والشورى المصريين- بحسب ما يخول له الدستور المصري- تضمن تغيير طريقة اختيار رئيس الجمهورية من إجراء استفتاء شعبي على مرشح واحد فقط، كما هو موجود في نص المادة (76) في الدستور الحالي، إلى جعله حقاً يمكن لأي حزب وفرد ممارسته، نجد في ذلك سعياً من قبله لتلافي ما سيلحق بنظامه السياسي من أضرار وأخطار فيما لو لم يقم بذلك التغيير المهم.

من المؤسف القول إن النظام السوري وعددا محدودا من القوى السياسية اللبنانية وفي مقدمتهم حزب الله، قد تعاملوا مع ما جرى في لبنان بسلبية، إذ وقفوا ضد إرادة ورغبة غالبية الشعب اللبناني، مما تسبب وسيتسبب بالكثير من الضرر عليهم، فحزب الله نتيجة لإعلانه وقبل يوم واحد فقط من جلسة سحب الثقة، أن ممثليه في المجلس النيابي سيدعمون حكومة عمر كرامي، فقد خسر الكثير من سمعته ومكانته في أوساط اللبنانيين، أما النظام السوري فنتيجة لعدم قيامه بالمبادرة بسحب قواته من الأراضي اللبنانية فإن الانسحاب الذي سيقوم به بعد أن أجبرت حكومة عمر كرامي على الاستقالة، سيعد انسحاباً إجبارياً، مهما كان شكل ونوع وطريقة الانسحاب الذي سيقوم به.

أخيراً فإنني أرى أن هذا النصر الذي حققه الشعب اللبناني العظيم وقواه المعارضة، يعد هداية لقطارات الديمقراطية والحرية والعدالة العربية، لتضع عجلاتها على السكك الصحيحة والسليمة، بعد أن أصبحت ليست بحاجة سوى إلى قوة دفع بسيطة لتنطلق صوب محطات التطور والتقدم والرفاهية .. التي يتمناها وينشدها كل إنسان عربي حر وشريف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى