أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 03:12 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • الأسرة "أمةٌ مصغرة" (2)

    إلهام محمد زارعي




    في خضم الحديث عن الأوطان والدساتير، عن الحقوق والقوانين، يغفل الكثيرون عن الحقيقة الجوهرية أن ما يصنع المواطن ليس فقط النصوص القانونية، بل البيوت التي يُربّى فيها، فالأسرة ليست مجرّد تجمع بشري يضم أفرادًا تحت سقف واحد، بل هي النواة الحية التي تنبض فيها أولى معاني الانتماء، واللبنة الأولى التي تتحدّد بها صلابة المجتمع أو هشاشته.

    الأسرة هي أمة مصغرة، حيث تُشكّل وجدان الإنسان، تُلقّنه لا بالوعظ بل بالممارسة، كيف يكون عادلًا، وكيف يرى الآخر شريكًا لا خصمًا، وكيف يفهم أن المساواة ليست مِنّة بل حق، وأن الاحترام لا يُمنح لمن يشبهنا فقط، بل لكل من يشاركنا الوجود.

    حين يُعامَل الطفل داخل أسرته على قدم المساواة مع أخته، حين لا تُغلق أبواب الحوار في وجهه لأنه صغير، حين لا يُقصى أحد من القرار لأن "الكبار أدرى"، يبدأ المفهوم العميق للمواطنة بالتكوّن في داخله. فالمواطنة ليست بطاقة تعريف، بل شعور داخلي بالكرامة، لا ينمو إلا في بيئة تنصف الفرد وتُعلي قيمته.

    أليست الأسرة، في جوهرها، صورة مصغّرة عن المجتمع؟ فيها قائد (الوالد أو الوالدة)، وفيها من يُقاد، وفيها توزيع للمهام، وصراعات تُحلّ، وتحديات تُواجَه. فإن كانت العدالة تسود هذه "الدولة المصغّرة"، نشأ منها مواطن لا يقبل إلا عدلًا في الدولة الكبرى.

    البيت الذي يرسّخ المساواة، هو الذي يُربّي أبناءه على أن لون البشرة لا يُقاس به العقل، وأن المعتقد ليس ذريعة للإقصاء، وأن الرجل والمرأة ليسا في سباق قوة، بل في شراكة بناء، ومن مثل هذا البيت يخرج جيل لا يكتفي بالمطالبة بحقوقه، بل يحمل الوعي الكافي ليمنح الحقوق لغيره.

    وإذا كانت الدولة تبني القوانين، فالأسرة تبني القيم، وإذا انهارت القيم، فمهما تزيّنت الدساتير بالمبادئ، تظلّ مجرّد أوراق.

    إننا لا نُبالغ حين نقول: الأسرة أمة مصغرة، فحين تُربّي الأسرة إنسانًا حرًّا، متسامحًا، مسؤولًا، فإنها لا تربي فردًا ناجحًا فقط، بل تبني أمة تستحق الحياة.. ودمتم سالمين.

المزيد من مقالات (إلهام محمد زارعي)

  • Phone:+967-02-255170

    صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
    كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

    Email: [email protected]

    ابق على اتصال